[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

الامراض الطائفية في اليمن .. دور الداخل يفوق في سلبيته الدور الخارجي

عقب الانتخابات الرئاسية والمحلية في اليمن 2006م، كانت الكتابات والتصريحات الرسمية تعطي اشارات وتلميحات مفرطة بالتفاؤل إلى حد كبير حول المستقبل الامثل الذي ينتظر اليمنيين. وفي غمرة التفاعل مع الشعار الانتخابي لرئيس الجمهورية " يمن جديد.. مستقبل افضل"، كانت الكتابات تلك تشير إلى ما يجري في العراق من صراع طائفي وحوادث قتل بالهوية، و إلى ما يجري ايضا في لبنان والصومال والسودان وغيره، على اعتبار ان تلك المصائب التي حلت في منطقتنا العربية، تجعل الواحد منا في اليمن، يحمد الله على نعمة الامن والاستقرار.

ومع ان الحمد والشكر له سبحانه، واجب على كل مسلم ومسلمة في لحظات السراء والضراء، فهو الوحيد الذي لا يحمد على مكروه سواه. الا ان الاجواء اليمنية في تلك الاثناء، كانت تبدو لكثيرين متفائلة إلى حد ما ، خصوصا مع توقف حرب صعدة، ولم يكن "الحراك الجنوبي" معلوما بعد.

كان ذلك يتم بخلاف المنطق، وفي قراءة غير أمينة للتاريخ والجغرافيا، وتجاوزا للعادة المعروفة في البلاد، حيث يقال على سبيل المثال انه اذا قرعت الطبول في موريتانيا يكون الرقص في صنعاء، كدلالة على تأثر احوالنا بالاخرين والطريقة الاستغلالية للازمات.

واقع الامر انه لم تمض سوى شهور قليلة على حدث الانتخابات المحلية والرئاسية، حتى كان العام 2007م، ايذانا ببدء مرحلة جديدة لها ما بعدها، ابتداء بتفجر حرب صعدة الثالثة فالرابعة واتخاذها منحى اكثر خطورة على الوحدة الوطنية، كما برزت الافرازات السلبية في الجنوب بظهور ما بات يعرف ب"الحراك الجنوبي"، وتفشت النزعة القبلية والمناطقية ، وتنامت عمليات القاعدة، وصولا إلى ما يجري اليوم من حراك ودعوات تمضي في اكثر من اتجاه لترسم حالة فوضى غير مسبوقة في البلاد.

وسط هذا المشهد، تتسلل امراض اجتماعية وسياسية غابرة لتفت في عضد المجتمع اليمني الذي من المفروض انه قد تجاوز هذه المرحلة بخطوات كبيرة. لكن المؤشرات الراهنة تكاد تعيده ليس إلى المربع رقم واحد الذي قصده الرئيس في أحد خطاباته، بل إلى الهدف الاول من اهداف الثورة اليمنية "سبتمبر" ونصه "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما واقامة حكم جمهوري عادل واذابة الفوارق والامتيازات بين الطبقات".

والمعنى من حديثنا عن الامراض الطائفية يشمل العصبيات بكافة اشكالها والوانها المذهبية والقبلية والعشائرية والمناطقية والمهنية والاسرية، والتي تصيب بعودتها جهود كل الاحرار اليمنيين والمخلصين من ابناء هذا الوطن في مقتل، وتعد بمثابة نقطة سوداء ودليل ادانة لكل دعاة التحديث والمدنية من احزاب ومنظمات، وقبل كل شيء ادانة لهذا النظام الذي يثبت مع مرور الايام عجزه وافلاسه عن بناء دولة النظام والقانون.

لقد نظر للتنوع الموجود في اليمن على انه مجال خصب للاثراء والحيوية، وحتى خلال المراحل التي شهدت بروز نتوءات المرض، ظل ميراث الامامة في الشمال والاستعمار في الجنوب، حاضرا في الاسباب، ولم يشفع لليمنيين دخول الالفية الثالثة، ولا الفرص التي تهيأت لهم على مدى عقود من الزمن لردم فجوة الجهل والمرض.

وحاليا تجد هذه الامراض التي اطلت علينا برؤوس تشبه رؤوس الشياطين، في الحالة العراقية بعد الغزو مبررا للتغلغل والتفتيت في عضد المجتمعات من خلال سياسة احياء النعرات الجاهلية. وصحيح أن الصراعات العربية القادمة تبدو طائفية بامتياز، وهي الخطر القادم لأنها خطر عقائدي لا يقبل بالرأي والرأي الاخر.

لكن الصحيح ايضا ان ذلك لم يكن ليحدث لولا وجود القابلية للاختراق وضعف المناعة الداخلية، بل ويجد المراقب للاوضاع ان دور الداخل كان سلبيا للغاية ويفوق في سلبيته دور الخارج. ففي صعدة مثلا ، نعرف أن ظاهرة الحوثي تداخلت في بروزها عدة أياد، منها إيران، لكن الجذر الداخلي لم يكن بعيدا عن تحذيرات المخلصين منذ قيام الثورة.

وفي الجنوب، كم ظهرت اصوات عقب حرب صيف 94م مباشرة، تنادي باخلاص لازالة اثار الحرب واصلاح مسار الوحدة، وقد تم النظر اليها من باب "الفاقدين للشرعية الانفصالية".
ان المطلوب اليوم كما كان بالامس.. ليس حلولا ترقيعية، ولا الاعلان عن مزيد من لجان الازمات، ولا مجابهة الحوثي بقبائل من نفس منطقته، وليس باصدار التوجيهات للقوى الامنية بتهديم منزل قاتل الدكتور القدسي، أو توزيع المناصب الطائفية، لاننا سندخل في ثنائيات كثيرة ومتعددة.

المطلوب اليوم، بحسب ما يرى سعيد ثابت سعيد هو " دولة وطنية تعصف بكل اشكال العصبيات الطائفية والمناطقية والقبلية، وتقضي على النزاعات والثارات والصراعات المتخلفة داخل فئات المجتمع وتدشن مسيرة بناء اليمن الجديد" كما تضمنه البرنامج الانتخابي للرئيس، وعلى " قاعدة الانسان الحر المتحرر من قيود المذهب أو القبيلة أو المنطقة، وتحرير الدولة ونظامها السياسي من تبعيتها لتلك العصبيات الرجعية المتخلفة التي ليس لها وجود في ظل دولة طائفية همجية."

ولا شك ان تحقيق ذلك يتأكد "بالعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص وتحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية وتعزيز دولة النظام والقانون، ومحاربة التعصبات الطائفية المختلفة عن طريق العدل والمساواة في توزيع الثروة والسلطة لكل فئات المجتمع وتعميق الوحدة الوطنية من خلال ثقافة وطنية عربية تقوم على المرجعية الاسلامية الناظمة لتطلعات كل فئات وشرائح المجتمع."

زر الذهاب إلى الأعلى