[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

عسكرة التشيع

بسم الله الرحمن الرحيم

- الاطار العام المحلي والدولي:
عند مراجعة النشاط السياسي والاجتماعي للجماعات الشيعية والسلالية في اليمن خلال العقود الأخيرة بعد الثورة نلاحظ أنّ هذه الجماعات والناشطين المنتمين إليها قد انتهجت نهجاً يعتبر أصيلاً في عقيدتها التربويّة والسياسيّة وهو نهج المداهنة (التقية) ‘ حيث وجدت نفسها بعد الثورة أمام جملة متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية، فعملت على عدم الصدام مع هذه المتغيرات التي كانت الثورة اليمنية حاملها السياسي والرسمي، غير أنها عملت جاهدة على الدخول ضمن هذه المتغيرات وتُطوّيعها من الداخل بحيث كيّفتها لصالح ما تبقى من امتدادها الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي، والواقع أنها نجحت إلى حد بعيد في إفراغ كثير من قضايا الثورة من محتواها الجمهوري حتى أنها في فترة من الفترات تمكنت أن تدير آلة الجمهورية بآليّة الملكيين.

لقد حدّد بقايا الإمامية – منذ سبعينيات القرن الماضي – الدوائر المعادية لهم وكادت تنحصر لديهم في الآتي:

1- النظام الجمهوري – وقد استطاع الإماميّون النفوذَ داخل مؤسسات القرار والإدارة في النظام إلى أعلى المستويات – أفقية ورأسية.

2- رجال الحركة الوطنية مشايخ وشخصيات وتجار وسياسيون ومثقفون – وهؤلاء تَمَّ الوصول إليهم لهدف احتوائهم إمّا بقرناء ملازمين مثال (يحيى المتوكل ومجاهد أبو شوارب)، وإمَّا بمصاهرتهم من السلالة التي تُحرّم الزواج منها إلاّ لأهداف إستراتيجية، وإمّا بالعمل في مؤسساتهم – إنْ كان لهم نشاطٌ تجاري أو سياسي أو حزبي.

3- الانتشار السني سواء الدعوي أو الحركيّ - وقد راقب الإماميون هذا الانتشار على مضضٍ وتربُّصٍ ونقمة يقيناً منهم أنّ السنّة هي الضامن العقدي للنظام الجمهوري، مثلما هو الحال بالنسبة للتشيّع والنظام الإماميّ، وإزاء ذلك عملوا على إثارة الشبهات حول السنة وأهلها ورجالها وعلى تحريض النظام بصورة دائمة ودائبة وفي كل المراحل ضدَّ تنامي الحركة السنية في اليمن.

4- القبائل التي تعد عند الإماميّين سلاحاً ذا حدّين إمّا ل (آل البيت) أو عليهم ولا ثالثَ وسطاً لهذين الموقفين في حسابهم، وبخاصة القبائل التي تُعَدُّ بالفعل ركيزة النظام الجمهوري وحامله الاجتماعي وظهيره الساند منذ قيام الثورة وإزاء ذلك فقد دأب الإماميّون الجدد على النشاط في أوساط قبائل اليمن المتشيعة وعملوا على تفكيك نظام القبيلة بحيث تتحوّل من قبيلة إلى طائفة ضمن منظومة أوسع، كما لعب الملكيّون والإماميّون على خارطة تناقضات القبيلة التي أجاد أسلافهم اللعب بها وعليها، وعموماً فقد ظلَّ الوضع يراوح بين هذه الأنشطة وتلك حتى العام 1990م عام الوحدة و(الديمقراطية) و(التعددية) حيث دشّنَ الإسلاميون السنة والأحزاب القومية الجمهورية ورجال الحركة الوطنية - دشّنوا عملية نزوحٍ جماعيّ ! هي الفريدة من نوعها، تمثّلت في خروج هؤلاء جميعاً – تقريباَ - من مربع السلطة ومحيط صناعة القرار ليستقرّوا في مربع المعارضة أو المنافسة في أحسن الأحوال تاركين فراغاً مخيفاً في محيط صانع القرار، هذا الفراغ الذي لم يجد من يملؤه أفضل في نظر الحاكم من الملكيّين الإماميّين، الذين اعتبرهم المعادل الطبيعي للجمهوريّين والإسلاميين السنة بالذات، ولا نزال إلى اليوم نذكر كلمة احد الأئمة (المتجمهرين) يومها حين قال: (الآن أصبحت الأمور واضحة – الإصلاح حزب الشوافع والمؤتمر حزب الزيود).

لقد كان (الدكتور) الإمامي يعي ويعني ما قاله تماماً فلقد تم تثبيت هذه المقولة في وعي الحاكم على أنها القاعدة الأساسية من بين قواعد اللعبة، غير أنه تم تجميد العمل بها لتخطّي مرحلة 1994م التي كان الحاكم في صنعاء بحاجة مُلحّة إلى الإسلاميين والقبائل المتحالفين معهم لمواجهة أجندة وآلة الحزب الاشتراكي.. تماماً كما حدث على المسرح الدولي للمنظومة السوفيتية – وإنْ بصورةٍ مصغرةٍ، وقد سهلت قيادة الاشتراكي – يومها – ذلك السيناريو بإعلانها الانفصال وبدت كما لو كان دورها مرسوماً وهي تؤديه بكل مهنيّةٍ واحتراف.

خرج صالح من حرب 1994م يوزع أوسمة الوحدة على صدور وأعناق رموزٍ وطنيةٍ وإسلامية، في الواقع أّنّه كان يأخذ حينها مقاس الصدور والأعناق التي بدأ منذ ذلك الحين ينوي لف حبال الغدر حولها، وقد كان على رأس المستهدفين الجدد أقوى شخصية سياسية واجتماعية عرفها اليمن في تأريخه المعاصر وهو عبد الله بن حسين بن ناصر الأحمر، هذا على مستوى الشخصيات والرموز، وأمّا على مستوى التنظيمات والجماعات فقد وُضِعَ الإخوان المسلمون في أوسع دوائر الاستهداف للرئيس صالح.

مع انتخابات عام 1997م كان المنافس الأقوى للحاكم هو حزب الإصلاح الإسلامي الإجتماعي وهو في تصنيف الرئيس كما هو في الواقع حزب لتيّارٍ دينيٍّ سُنّيّ مع مزيجٍ من قبائل الجمهوريين ورؤسائها الوطنيين، ولم يكن هناك معادلٌ مضادٌّ للجمهورييّن القبائل والإسلاميين السنة أجدر من الأئمة وشيعتهم، فالإماميّون ناقمون على القبائل الجمهورية ورموزها وتيارهم الشيعي معهم ناقمٌ على الإصلاح (الوهّابيّ) وهذه كلها معطياتٌ فاعلة في توظيف التناقضات الطائفية والسياسية والاجتماعية.

بدأ العمل على بناء تيّارٍ حركيٍّ شيعيٍّ بتوجيه أئمةٍ (جمهورييّن!) وتحت إشراف وعناية الدكتور عبد الكريم الإرياني الذي يُكِّنُّ بدوره فائضاً من الحقد والنقمة على السنة والقبائل، وفُتحتْ المدارس المناوئة ومساجد ومراكز الضِرار حتى داخل سنحان ولم يدخل العام 2000م إلّا وقد أصبح التشّيعُ الحركيُّ شيئاً يُذكر بعد عقودٍ من الجمود لم يكن فيها شيئاً مذكورا.

11أيلول 2001 وانقلاب الموازين

أعطت أحداث سبتمبر فرصة تأريخية للجماعات الشيعية في جميع أرجاء الأرض حيث تحالفوا على مستوى المذهب والفتوى والمؤسسات الدينية مع أميركا والغرب في مواجهة وحرب الجماعات (الإرهابية) التي حددها الأمريكان أنها سنيّةٌ دائماً وتجسّد هذا التحالف في التعاون العسكري واللوجستي لضرب حركة طالبان السنية حاضنة بن لادن - وأسفر التحالف والشراكة الشيعية الأمريكية في أفغانستان عن بناء ثقة فتحت الشهية لدى الطرفين على إسقاط نظام بغداد قاسم العداوة المشترك لطهران وواشنطن وحدث ما توقّعهُ إبن تيمية الحرّاني قبل مئات السنين من تعاون الشيعة مع الصلبيين ضدّ المسلمين حيث حرست فيالق (آل البيت !) الجنود والمعسكرات الأمريكية والبريطانية وأُصدِرت بذلك فتاوى من الأئمة تنخلع لها قلوب شيعة آل الحكيم وآل بريمر والسيستاني وبوش والصدر وبلير على حدٍّ سواء.

لقد كان سقوط بغداد وأسوارها حدثاً لم يحدث إلا على رأس ألفٍ من السنين وفي دورةٍ تأريخية مرّت بالعروبة والإسلام وكأنها نصف قيامة، لقد خرج الأئمة من قمقم صدام حسين وتحطّم سَدُّ يأجوجَ ومأجوجَ.. الحكيم، السيستاني، خامنئي، الصدر، حسن الصفار، نصر الله، فضل الله، الخوئي، وأخيراً الحوثي.

إن انهيار جدار بغداد وبروز الإمامية إقليمياً أعطى الزخم لحركةٍ شيعية بدأت تتبلور في شمال اليمن صعدة وتحديداً في مديرية حيدان وما جاورها مع بعض مناطق من سحار وهمدان، في الواقع لا بد من الإشارة إلى زياراتٍ تناوبها كل من السفيرين الإيراني والأمريكي إلى ضحيان بين عامي 2001-2003م غير أننا لا نستطيع الجزم بإجراءٍ محدّد عن سبب الزيارات وإن لم تأتِ من فراغ خاصة وأنّها كانت كلها للقاء حسين الحوثي هناك، وإذن فهناك جذرٌ خارجيٌّ للموضوع.

عندما أفرغ بوش وباول وتشيني الإحتياطي الفيدرالي بعد 2001م تحت بند مكافحة وتعقّب الإرهاب أغدقوا على حلفائهم وشركائهم في عملية المكافحة وكان من بين البلدان التي قبضت ثمن الإرهابيّين اليمن، حيث كانت - مع الفلبين - هي النظام الوحيد الذي وقّع مع الأمريكان إتفاقية (شراكة) بهذا الخصوص، في حين اكتفى العالم بأسره ب(التعاون) مع بوش في هذا العمل الكوني.

لقد كانت مخصصات الشراكة مغرية بحيث فتحت شهية صالح ومستشاره المُترجمِ لبلورة ملف جماعات أخرى غير القاعدة ووضع هذا الملف على طاولة الأمريكان، هذه الجماعة لم تكن سوى جماعة الحوثي التي لم يساور الدكتور الإرياني شكّ في أن الأمريكان سوف يغدقون الدعم لاستئصالها وخاصة أنها تنبني شعاراً علنياً (الموت لأمريكا).

وبالفعل فعلى مستوى تأهيل الجماعة جرى الدفع بعناصر اختراق تُسَرِّعُ ببلوغ جماعة الحوثي نصاب الإستهداف وتَمَّ توثيق ملف كامل عنها وسافر الدكتور الإرياني برفقة ضابط الأمن الأشهر / علي عبد الله صالح إلى فرجينيا حيث بديا مسرورَين في الصورة التي جمعتهما إلى جانب بوش وكندوليزا والحقيقة أن الأمريكان أعطوا ردوداً عموميّة على طرح الدكتور مفادها أنّ حكومة الولايات المتحدة تدعم أي جهود لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تنتهج العنف ولكن الرئيس ومستشاره فسّرا التصريحات الأمريكية بمثابة صفارة البداية في شوط السباق إلى جبال مران.

إضافةً إلى تدمير وحدات عسكرية غير مرغوبة لدى أسرة صالح فقد كان الباعث الأساس هو البحث عن دور أمني وسيط وإضافيٍّ على الدور مع القاعدة وتمثيل لعبة القط والفأر مع الحوثي وفق مسلسل زمني يبدأ ولا ينتهي.

بدأت الحلقة الأولى من المسلسل بمحاصرة مرّان التي كانت في الواقع قد أصبحت خارج الشرعية والسيادة فجماعة الحوثي عملياً أصبحوا تنظيماً مسلحاً لديهم مناطقهم المغلقة قبل أكثر من ثلاثة أعوام من الحملة، وعائدات الزكاة والواجبات وعوائد أخرى وفق نشاط الشيعة المشروع وغير المشروع كانت بمثابة إيرادات لدويلة بدأت تتبلور وتتشكل ملامحها خلف الجبال السحيقة التي تُعتبر وعورتها من ضمن المقومات الطبيعية للدويلة المتشكلة هناك، ولذلك فقد كان النظام يسوق العملية على خطين متوازيين:

الاول: خط التلاعب واستثمار الحروب وتصفية الحسابات.
الثاني: خط الشرعية وقد استخدم غطاء للأول ولُبِسَ وخُلِعَ عدَّة مرات.

انتهت الجولة الأولى دون أن تسجل حسما نهائياً وزيادةً على ذلك فقد أغلق خط الرجعة والمراجعة الفكرية المفترضة لدى أنصار حسين الحوثي وذلك بمقتل حسين نفسه وهو الوحيد الذي كان يمكن أن يجد صدىً وتجاوباً لدى أنصاره في حالة أعلن تراجعاً أو تصحيحاً للفكرة التي قاتل عليها أنصاره بل لقد تعمدت تلك الفكرة بدمه وأصبح (شهيداً) في سبيلها مع غيره من الشهداء الآخرين المؤثرين.

لم يُبدِ الأمريكان تجاوبا يذكر مع صالح حتى أنهم لم يدينوا جماعة الحوثي، فجمع صالح أوراق اللعبة من جديد ونسقها وضخم حجمها ووضعها على طاولة السعوديّين والخليج.

مع انتهاء الجولة الأولى أُستدعيَ بدرُ الدين نفسه مع ولده عبد الملك وآخرين إلى النهدين وتمّ إعادتهم إلى صعدة من جديد مع إخراج يحيى إلى ليبيا وفتح خط له مع العقيد القذافي من قبل الرئيس نفسه – حسب تصريحات القذافي – وبالطبع كان إيفاد يحيى الحوثي للبحث عن مصادر تمويل من القذافي وغيره فالرئيس (الصالح) يريد جماعات يبتزُّ بها الآخرين وليس جماعات تبتزه أو ينفق عليها هو.

من الحرب الثانية كما تسمى بدأ الحوثيون يدشنون تصفيات مع المواطنين اليمنيين وبدأوا ينتهجون إستراتيجية إرهاب المجتمع في المناطق التي حققوا فيها النفوذ والتواجد.

لقد استفادوا من هامش تلاعب النظام بالحرب وقاموا ببناء تنظيم عسكري دقيق استند إلى خبرة مزيجة بالحقد والإنتقام من الأعداء والأنصار على حدٍّ سواء.

كانت من مطالبهم لدى الرئيس أنّ يقيل يحيى العمري بل وطلبوا بالإسم تعيين يحيى الشامي وبين يحيى ويحيى بُعدُ ما بين الفرقدين أو أبعدُ بقليل – بُعْدَ ما بين 26 سبتمبر وأحمد حميد الدين.

حقق علي عبد الله صالح مطلبين للحوثي في مطلب واحد: أقال ألدّ خصومهم وعيّنَ ابنهم البارّ أو قل إن شئت والدهم الحنون لا فرق فالأسرة واحدة.

لقد أرسل الرئيس علي عبدالله صالح يحيى الشامي لتمرير انتخابات 2006م الرئاسية ولكن يحيى أُرسِل في مهمة مزدوجة فبالإضافة إلى مهمته أمام الرئيس كانت مهمته أمام إخوانه الأئمة أكثر صعوبة وهي إقناع الحوثيين ليس بالتهدئة فحسب بل بترشيحهم للرئيس نفسه بالانتخابات، وأكبر معجزات الهاشميّة تجلّت في قدرة يحيى الشامي مع فريقه السُّلالي على إقناع الحوثيين فعلاً بترشيح الرئيس، لقد كان هدف اللوبي الهاشمي من ذلك هو الاقتراب أكثر من الرئيس، وبالفعل فقد دخلوا عليه وهنأوه بالفوز، وكان كبار علمائهم في صنعاء على رأس الوفد، وخلاصة ما قالوه له.. أنظر يا سيادة الرئيس هؤلاء أبناؤك رشحوك.. هم لا يكرهونك أنت.. الذي يكرهك هم الإصلاح وآل الأحمر.. حدث هذا بحضور من نقل الموقف.

بدأت الحرب الرابعة بعد الإنتخابات وكانت عواملها جاهزة وبرنامجها وجدولها الزمني أعلنه العليمي أمام مجلس النواب، والغريب في هذه الجولة أن الحوثيين كانوا يتحدثون عن وساطة قطرية وشيكة منذُ الشهر الثاني للحرب، نعم لقد كان يجري ترتيب إعلان الصلح قبل إعلان نهاية الحرب بوقتٍ يتجاوز أحياناً نصف عمر العملية العسكرية، وكذلك كان يجري ترتيب جاهزية المواجهات قبل الحرب بأشهر ؛ لقد كان السيناريو السياسي يتحكم في مسرح العمليات بصورة مباشرة.

أصبح العام ينقسم بالنسبة للرئيس الصالح إلى موسمين للحصاد: ابتزاز السعودية ستة أشهر حرب وابتزاز قطر والإيرانيين ستة أشهر إعادة إعمار وتعويضات ومساع طيبة. وهكذا استمرت رحلة الشتاء والصيف، أما الحوثيون فقد استفادوا من الحروب الشكلية حيث أعطتهم معنوياتٍ أكبر، وتوسعوا وتوسع معهم ثأرهم، وعَرَّفتْ بهم حروب علي صالح على الداخل والخارج، ورتّبت علاقاتهم بشكل كبير مع دول ومنظمات ومؤسسات سياسية وإعلامية داخلية وإقليمية، وعموماً فإنّه في الوقت الذي كان علي صالح يُسلم الأرض والإنسان والجيش والمعدات والشهداء في صعدة وما جاورها بثمن بخس - كان الحوثيون يبسطون سيطرتهم على كل ذلك بأيّ ثمن، وبكل الوسائل - التي كانت دائماً غير مشروعة.

الحوثيون والمعارضة

عمل اللوبي الحوثي الإمامي في صنعاء على توظيف الدوائر السياسية والإعلامية لدى المعارضة لصالحه بحيث أصبحت المعارضة وفق هذا التوظيف هي الرئة التي يتنفس بها الحوثيون حين يختنقون عن التنفس برئة اللوبي الإمامي في جهاز الدولة، وليست المبادرات والحوارات ووثائق الإنقاذ والإعتصامات التي كانت تطالب بإيقاف الحرب على الحوثي إلا مظاهر متنوعة لم تكن هي الوحيدة في سياق تقديم الحامل السياسي للحوثي، على أنّه لم يكن يعطيها من الإهتمام أدني مستوى فقد داس على الكراسي التي هُيّئت له بعناية في تحضيرية الحوار الوطني وذهب مع الحاكم إلى الدوحة حيث تتوفر الدولارات والدعم الإقليمي وحيث يلتقي هناك بالأحباب الحقيقيين.

لقد ظلّت قضية صعدة ورقة تتجاذبها السلطة والمعارضة، وظلّ الحوثي يستفيد من هذا التجاذب إلى اليوم، لقد كان الحوثي بحاجة ماسّة إلى القوة فمنحتها له السلطة ولكن القوة تحتاج إلى الشرعية ولم يكن هناك أسخى بها عليه من المعارضة التي ظلّت تعطيه الشرعية والمظلومية ووصف الجماعة الصالحة التي وقعت ضحية نظام ( قمعيّ )!..، الخ، هذه المغالطات التي لعبت المعارضة بنارها دون أن تدرك أنّها قد تكون يوماً من الايام أول من يكتوي بتلك النار.

نعم لقد أعطى النظام القوة للحوثي ولكنه لم يعطه الشرعية ونعم أنّ المعارضة لم تعطِ الحوثي القوة ولكنها أعطته الشرعية مع فارق بسيط - أن النظام أعطى للحوثي القوة بالتجزئة والمعارضة أعطته الشرعية بالجملة.

الحوثيون والمجتمع

ما هو معلومٌ في كل دول الدنيا أن الدولة مسئولة عن حماية مواطنيها من أي اعتداءٍ مُنظَّم يستهدف أمنهم أو سلامة شخصهم أو حقوقهم المكفولة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الدولة تكون مسئولةً من أجل ذلك عن بسط يد السيادة والسيطرة على كل تراب وإقليم الدولة، والحقّ أنّ الحوثيين شهروا السلاح في وجه الدولة بدايةً ووضعوا نقاط التفتيش التي تعد من مظاهر السيادة والسيطرة وبنوا الإستحكامات العسكرية والتحصينات اللازمة، وتحصّلوا زكواتٍ وواجباتٍ قسراً من المواطنين في مناطق سيطرتهم وأغلقوا مناطق محدودة ووضعوها خارج سيادة وسيطرة الدولة، وهذه جملة أعمال تُعدّ واحدةٌ منها كافيةً لإعطاء الحق للدولة – أيّ دولة – في التعامل مع مثل هذه الأعمال المُخلّه بالسيادة والأمن الوطني والاجتماعي وفق الطريقة التي تراها مناسبةً لذلك وأيّاً كانت العواقب المترتبة للإجراءات المتخذة.

والحق أيضاً أن قيادة الدولة لم تمارس حقها المشروع بحسن نية، فقد تواطأت مع الحوثيين مرّاتٍ عديدة ومتكررة على حساب السيادة الوطنية وعلى حساب هيبة الدولة والجيش والثوابت الوطنية والشرعية وعلى حساب دماء الشهداء والأبرياء وكان آخر ما تفكر فيه - أو هي لم تفكر به على الإطلاق - هو دماء المواطنين الصالحين التي أراقها الحوثيون انتقاماً من كل من ليس معهم أو يقف في طريقهم وإنْ كان على الحياد.

لقد صنّف الحوثيون المجتمعَ والدولةَ وفقَ رؤيةٍ عقديّةٍ لديهم مفادها أنْ قسّموا المجتمع والدولة وأنصارهم (الحوثيين) إلى ثلاثة أقسام حسب رؤيتهم وعقيدتهم:

الأول: المؤمنون وهم ( المجاهدون ) الحوثيون الذين يجب التجاوز عن كل خطاياهم وجرائمهم بمجرد أنهم ضمن المسيرة الحوثية ( الربانية ! المباركة !! ).

الثاني: الدولة ( الكافرة ) وكل من ساندها كافرٌ حلال الدم والمال وكل متعلق به.

الثالث: المنافقون وهم كل من ليسوا مع الدولة ولا مع ( المجاهدين ) وهؤلاء حكمهم حكم الكفار في الاستباحة والدليل القرآني جاهزٌ – لديهم - ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ).

تحت مسمى المنافقين اتسعت دائرة المستهدفين من عناصر المجتمع والسكان المسالمين، ولم يمتنع على الحوثيين من القتل أو الاغتيال أو الاختطاف إلا من كان ممتنًعا في قبيلة تردّ العدوان بأكبر منه، أو من ليس هناك حاجة إلى إزالته أو قتله وقد يسبب قتله حرجاً فاضحاً أمام الناس، وما عدا ذلك فقد أطلق الحوثي اليد والعنان لأنصاره فحصدوا في أقل من ثلاث سنوات أعلى الرؤوس وأشمخ القامات في القرى والأرياف والمديريات والمدارس وحتى التنظيمات والأحزاب التي كانت قياداتها في ذات الوقت في صنعاء ينافحون عن الحوثي كان أنصارهم وأعضاؤهم في المديريات يتلقون مع المواطنين نصيبهم من عدوان الحوثي.

إنّ الإجرام والإرهاب بحدّ ذاته علمٌ مستقل وله أُسُسُهُ وأهدافُه النفسية والاجتماعية، كما أن له خُبراءه وخِبْراتِه التي يتفنّن فيها الموهوبون وأهل الخبرة، وإذا أردنا إيضاح الصورة فإننا لابد أن نأتي ببعض الأمثلة كعيّنات ممثلة على سبيل المثال وليس الحصر، فالضحايا المدنيون الذين سقطوا على أيدي الحوثيين بلغوا الآلاف في السنين السبع العجاف التي لم يشهد التاريخ الاجتماعي للمجتمع اليمني لها مثيلاً من الفظاعة في كل مراحل تاريخه الحديث والقديم:

تداول الحوثيون – مثلاً – على المستوى الداخلي مقولةً هي عبارة عن قاعدة مفادها بالحرف: ( إشترِ الليل بنسمة ) إنّ معنى هذه الكلمة التي يعتبرها الحوثيون توجيهاً مفتوحاً عند اللزوم معناها أنك إذا دخلت منطقة أو كنت بحاجة إلى تحركات ليلية أمنية كنقل السلاح أو عبور مجموعات الإمداد أو ما شابه ذلك، أو إذا كنت تريد إخلاء منطقةٍ وتحتاج إلى سِريّةِ التحركات هناك فإنّ عليك أن تتربّص بأحد أبناء المنطقة وتغتاله تحت جنح الليل فيصاب أهل المنطقة بصدمة وترويع من الحادثة المفاجئة التي لم تكن في حسبانهم، وعندها يغلقون أبوابهم عليهم قبل حلول الليل إلى بعد طلوع شمس النهار وبالطبع فإنه من المتوخى أن يكون المستهدف هو أهم عناصر المنطقة قدر الإمكان وهذا فعلاً هو ما حصل في عدة قرى ومديريات حتى أصبح منهجاً متبعاً ومفهوماً عن الحوثيين.

مثلاً - في العام 2007م في مديرية غمر قرية تشدان تم اغتيال الشهيد / عبد الله علي قاسم الشهير بالمعلم على باب منزله، وسقط المعلم مضرجاً بدم قلبه بين يدي والدته وأبنائه الصغار وكان الرجل مشهوراً بالمعارضة للدولة ( مستقل ) وليس لديه أي نشاط معادٍ ضد الحوثيين وعندما سُئل عناصر منهم بعد سنة تركوا الحوثية عن سبب اغتيال المعلم أجابوا أنه يوماً من الأيام سيكون في صف الباطل..؟

إن مثل هذه الفتاوى الاستباقية التي تهدر دم المسلم والإنسان لمجرّد توقّعٍ موهومٍ في بطن الغيب لَتُعدُّ سابقةً لم يسبق لها مثيل في تاريخ التشريع الإسلامي ولا حتى الوضعي على وجه الإطلاق.

بعد عام واحد 2008م اغتالت نفس العصابة / محمد شائع قاسم إبن عم المعلم المذكور وكان الجواب جاهزاً: أن محمد لا يزال يشكل خطراً مستمراً لأنه لا بُدّ له يوماً من الأيام أن يثأر لعبد الله المعلم ( إبن عمّه )، وهكذا أصبح ليس الذي يَقتُل في عالم الحوثيين هو الذي يخاف بل الذي يُقْتَلُ قريبُه هو الذي يخاف ويرحل تحسباً لغيلةٍ استباقية ينفذها الحوثيون على توقعات محتملة وفق مقولة: قريب الضحية خطرٌ مؤقت إِلَّم تقتله قتلك..؟

بل لقد ذهبت فاعلية الإرهاب لمدىً أبعد من هذا كله حيث يذكر المرجع الزيدي محمد عبدالعظيم في حديثٍ مسجّل أنّ أحد أنصاره قُتل عى يد الحوثيين وحين ذهب مع مجموعة من الناس لأداء واجب العزاء لأهله لم يجرؤ أهله على الحديث حتى عن موت ابنهم خوفاً على من تبقى من إخوته حسب ما ذكر المرجع الزيدي ألم نقل أن الإجرام والإرهاب بحدّ ذاته علمٌ وفنٌّ مستقل.؟!

على الخط نفسه تصرف الحوثيون مع عناصر التنظيمات السياسية المعارضة للدولة بنفس العدوانية، فعلى الرغم من مواقف المداهنة المخجلة لقيادة المعارضة إزاء جرائم الحوثي وعلى الرغم من أن المعارضة لم تخطّ حرفاً أو تنبس بشفة في قضية الحوثي كتنظيم مسلح غير مشروع ولا دستوري، وعلى الرغم مِمَّا يتطلبه الموقف السياسي والقانوني والأخلاقي للمؤسسات السياسية الدستورية للمعارضة من واجب إعلان الموقف من الإرهاب المسلح الذي لم يعد سراً حتى على سمع الإقليم وبصره، وبالرغم من سقوط العديد من الضحايا في صفوف عناصر المعارضة، على الرغم من ذلك كلّهِ لم تصدر إدانة أو بيان أو تنديد كتلك البيانات التي عودتنا كل الأطراف بما فيها المعارضة على التبرع بها ضد جماعة كذا الإرهابية وعمليات استهداف الحوثيين في الجوف مثلاً.. نقول على الرغم من كل ما قدمته المعارضة للحوثي من أفق سياسي وإعلامي فان عناصر وناشطي المعارضة في صعدة لم يكونوا استثناءً عن المواطنين في اعتداءات الحوثيين التي وصلت إلى القتل والاغتيال ومصادرة مساجد ومدارس وحتى منازل في كثير من الحالات.

و مرةً أخرى نسوق هذا المثال التالي من نفس المديرية ( غمر ) كعينة ممثلة لمئات العينات المماثلة حدثت فيها وفي غيرها من المديريات المجاورة:-

- فائز علي ظافر زيدي المذهب متشيع في حسن نصر الله وبدر الدين الحوثي إلى حد أن سمّى ولديه - أحدهما - نصر الله والثاني بدر الدين وهذا كله بعد العام 2004م، كما أنه مسئول التنظيم الناصري في المديرية.

إقتحم الحوثيون المديرية بتواطؤ النظام عام 2009م وحوصر فائز – الناصري - مع أسرته وبعض أصحابه في منازلهم لمدة ثلاثة أشهر شنّ عليهم ( المجاهدون ) غاراتٍ وهجماتٍ بربرية لا زالت مضرب المثل إلى اليوم في عنفها، إستخدم الحوثيون الفاتحون القذائف الصاروخية ومدافع الهاون وال B-10 والقنابل والرشاشات وقتلوا حتى النساء والأطفال والحيوانات والأبقار المجاورة للبيوت في حملة إرهابٍ لم يعرف لها القرويون نظيراً مّما عُهِدَ في مواجهات الحوثيين، وانتهت الحملة المظفرة بمقتل بطل الناصريّة النجيب / فائز بن علي بن ظافر هادي الذي لا يعلم عنه الأستاذ العتواني شيئاً إلى الآن، وإن كان يعلم فالمصيبة أعظم.. كما قالت العرب..!

و من عجائب المفارقات أن مسئول الناصري في ضحيان كان من ضمن الحملة على ناصري غمر لمجرد أن الأول هاشمي والثاني يماني العرق والدم، بمعنىً واضحٍ لم يترك للتحفظ والملق مجالاً: الناصري الهاشمي قاتل مع الحوثي الهاشمي ضد الناصري القبلي القحطاني حتى قتله.

لم يكتفِ الحوثيون بمقتل فائز وخيرة أصحابه، بل زادوا من حقدهم ولؤمهم أن احتلوا بيته، واستباحوا مزارع أسرته أما ولداه اليتيمان نصر الله وبدر الدين فقد كان مصيرهما التشريد مع جدّهما، حيث يعيشان إلى الآن في منطقه شملان بصنعاء في حين يعيش شقيق عبد الملك الحوثي مع كتيبة من المجاهدين في منزل فائز إلى وقت قريب، وحيث تحول المنزل إلى مستوطنة صادرها الحوثيون مع بقية ممتلكاته من مزرعة وغيرها.

مثل هذه المأساة حدثت باستمرار وتكررت مع مئات من أبناء صعدة حزبيّين ومواطنين مدنيين وسكان عزّل لم تكن قياداتهم في المشترك على علم أو اهتمام بما حصل لهم من القتل والتشريد أو أنها كانت مشغولة بإطلاق المبادرات ووثائق الإنقاذ الوطنية التي لم تنقذ أحداً من مأزقه سوى الحوثي والحوثيين كما كانت مشغولة بتصحيح جداول الناخبين في حين كان الحوثي يسقط ناخبيهم ومواطنيهم ليس من جداول الناخبين فحسب بل من جداول الحياة والأحياء.

إٍن إهمال المشترك لمصير عناصرهم وأفرادهم وحتى مواطنيهم الافتراضيين في صعدة والسكوت عن دمانهم الزكية الحرة التي أراقها الحوثيون، وفوق ذلك عقد صفقات التنسيق والشراكة مع قَتَلَةِ إخوانهم، إن هذا فضلاً عن أنه يلقي الضوء على وضع مُحزنٍ في تربية الولاء والبراء فإنه كذلك يذكرنا بقول الشاعر العربي في موقف مماثل:-

كَمُرْضِعَةٍ أولادَ أُخرَى وَ ضيّعتْ *** بَنِي بطنِها، ذاكَ الضَّلالُ عَنِ القصدِ !

الحوثيون والثورة والشباب

جاءت ثورة الشباب بمثابة فرصة أكبر من المتوقع بالنسبة للحوثيين ويمكن أنْ نسجل نقاط الاستفادة التي استغلها الحوثي بإيجاز في النقاط التالية:-

1- أتاحت الثورة للحوثي حرية التنقل والاندماج بالمجتمع ومخاطبة مئات الألاف من الشباب في الساحات وتسويق قضيته المغلوطة والوصول إلى حشودٍ شعبية لم يكن يحلم حتى أن يتمكن من الوصول إليها ومخاطبتها والنشاط في أوساطها.

2- إستطاع كسر حاجز الإدانة التي كانت تلازمه كمُتمرّد لم يستطع الحصول على الشرعية الدستورية في النظام السابق فأراد الحصول على الشرعية الثورية ‘ بل وطمح من خلال نشاطه في أوساط الثورة أن يكون صاحب الريادة الثورية الذي يُقيّمُ وينتقد ويوزع درجات ومستويات الثورية والمصداقية على مكونات الثورة.

3- إستفاد من زيادة وحِدّة حالة الانقسامات التي توغلت بشكل أعمق ووصلت إلى نقطه اللاعودة بين قوىً تتقاسم العداء تجاهه، وعمل من خلال تواجده في كل القوى في معسكر الثورة أو في معسكر النظام على التصعيد السلبي والدفع دائما باتجاه انفجار الوضع وأقرب الامثلة ما لاحظناه من الارتياح العام الذي غمر أوساط الحوثيين عندما كانت منطقة الحصبة والأحمريون يتعرضون لمحاولة ابادة مدبرة من قبل الرئيس، حيث انفتح أمام الحوثييين أمل أن يقوم الرئيس قبل مغادرته الحكم بتصفية البيت الأحمري وإزالته من طريق أئمة ( آل البيت ) القادمين دائماً من الشمال والمتصادمين تأريخياً مع الأحمرييّن.

4- بعد أن تمكنوا من الإلتحام بغالبية شباب الثورة من غير المنظمين وهؤلاء الشباب تغلب عليهم الحماسة الدائمة والصدق غير الواعي، عمل الحوثيون على الفتنة بين مكونات الثورة من خلال تحريض شباب الثورة على مكونات رئيسة في الثورة وهذه المكونات التي استهدفها تحريض الحوثيين كانت باستمرار حزب الاصلاح والفرقة وقائدها وبيت الأحمر – أي أن الحوثيين كانوا يهاجمون نفس القوى التي يهاجمها إعلام ومدافع النظام حتى بدوا في معظم مواقفهم كنسقٍ متقدمٍ للنظام داخل الساحات وليس أكثر.

5- إذا ألقينا نظرة موضوعية سنجد أن الحوثيين شكلوا عبئاً على الثورة وكدروا صفوها وسمّموا أجواءها دون أن تتحقق أدنى المستويات من النتائج المتوخاة عند احتضانهم فيها، فمن حيث المبدأ يعتبر الحوثي تنظيماً مسلحاً يمارس أنشطة عسكرية ضارة بالمجتمع والوطن وأنه أقام وجوده على الدم والحروب فهو كيان غير شرعي من حيث وجوده، والترحاب به في ثوره شعبية شرعية و( سلمية ) بالذات يعتبر مغالطة لا تغضي عليها حتى عين الرضا عن الثورة لأنه هنا شارك الثورة في شرعيتها وشاركته إدانته وعدم شرعيته، بل إن الثورة باحتضانها جماعات معادية لليمن وتاريخه وفوق ذلك أنها مدانة وطنيّاً وجمهورياً وسبتمبرياً فإن أقل ما يقال بشان الثورة أنها بلا قيم ولا مبادئ ولا معايير قانونية تحكم نفسها بها وتحتكم إليها، ولا خلفية نضالية ولا تاريخية تؤشر من خلالها على الجهات المعادية لليمن وأهله، وإلاّ كيف يهضم ضمير الثورة الشبابية الإرتباط بالمشروع الإمامي بما يستتبع بالضرورة فكّ الإرتباط مع ثورة سبتمبر ونظامها الجمهوري وكيف هضم الضمير القانوني للثورة أن يؤمّها في جُمَع الستين مجرمٌ محكومٌ بالإعدام لإدانته بالخيانة الوطنية العظمى (مفتاح والديلمي) باعترافه بالتخابر والعمل ضد وطنه لصالح دولة أجنبية (إيران) متآمرةٍ على شعبه وبلاده، وكيف هضم الضمير السلمي للثورة جماعةً لم يعُرَفْ عنها إلا الحروب والإغتيالات والإختطافات وتفجير المنازل والمساجد والمدارس والمنشآت !، والذين يقولون أن الحوثي ألقى السلاح كانوا ينتظرون أن يأتي إلى ساحات الإحتجاجات بقنابله وقذائفه وهذا من الإستخفاف بالعقل والمنطق ولكي ننظر في مدى سلمية الحوثي نتذكر التالي:

أ- أن الحوثي لم يلقِ السلاح بل ما زالت معسكراته تخرّج كتائب المليشيا ومعامله وورشه تصنع وتنتج الألغام، وما زالت عصاباته جاثمةً فوق الطرقات كنقاط تفتيش وفرق مداهمات ليلية على منازل المواطنين المدنيين في صعدة ومناطق أخرى.

ب‌- -- حتى بعد انضمامه للثورة والتهليل والترحيب به قام بشن حرب غاشمة على المواطنين في صعدة لا يخفف من جرمها أن الحوثي من ضمن فصائل الثورة أو أن خصومه في صعدة غير مرغوبين لدينا، بل إن الحوثيين فجروا منازل المواطنين من خارج المحافظة وداخل صعدة نفسها وليس منزل الحبيشي الذي نسفه الحوثيون على رؤوس الأطفال والنساء بداخله ومنعوا ذويهم من انتشالهم واسعافهم إلا بوساطة جاءت بعد أن فارقوا الحياة:

أتتْ وحياضُ الموتِ بيني وبينها *** فما وصلتْ إلاّ وقد ذهب العمرُ

هذا الموقف لم يكن إلا نموذجا مشرقاً من نماذج السلمية لدى الحوثيين المسالمين في الساحات!!

ج- أسقط الحوثي صعدة رسمياً واستحوذ على المجلس التنفيذي في المحافظة ولأنه ما زال متصلاً بالحبل السري للنظام فإن النظام ما زال يضخ له المرتبات والموازنة كأداة تجمع المواطنين حوله كسلطة والعجب العجاب أن صعدة سقطت رسمياً دون أن تثير حولها قنوات النظام أو إعلام الثورة ولو نسبة واحد من الألف من الضجيج حول سقوط أبين وهو ما يوحي دائماً للجنوبيين أن تمردات الشمال حلال وتمردات الجنوب من الكبائر المحرمة أو يقنن أن العنف لا يكون إرهابا إلا حين يكون سُنيّا أمّا وهو شيعي فَيُعطى أوسمة النضال الثوري ويستدعى لعقد صفقات التحالف والشراكة معه؟.

د- إذا تجاوزنا للحوثي حربه على مدينة صعدة أيام الثورة السلمية فبأي حجة ندافع عن سلمية الحوثي التي أعلنها على أبناء الجوف الذين قوامهم من الثوار علماً أن الحوثي استخدم في ثورته السلمية على شباب الثورة في الجوف وحجة أعنف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات التي كان النظام قد جاد بها عليه لمثل هذا الغرض السلمي !؟؟.

فهل بعد هذا كله لا نزال غير قادرين على التمييز بين الكسب والخسارة في عملية الترحيب والتهليل والحفاوة بالحوثي ونضاله وألغامه السلمية المشروعة؟.

• الموضوع المنشور في نشوان نيوز على الرابط التالي كان هو الجزء الأخير من هذه المقالة:
الوضع القانوني والشرعي لجماعة العنف الحوثية

كُتِبَتْ أوائل عَام 2011م

زر الذهاب إلى الأعلى