[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

دعوة إلى حوار وتفاهم قبائل اليمن

ورد ضمن ما ضمّنه السفير والشيخ عبدالعزيز علي القعيطي من وثائق في كتابيه الأول "السلطان علي بن صلاح القعيطي" والثاني "إحلال السلام في حضرموت"، اتفاق تفاهم سياسي وعسكري بين الأميرين عبيد بن عبدات وعلي بن صلاح القعيطي.. الأول قائد حركة سياسية هادفة إلى إنشاء دولة ثالثة في حضرموت على غرار الدولتين الكثيرية والقعيطية إنما بمضايقات تزعزع الاستقرار، والثاني نائب السلطان القعيطي في شبام وصاحب دور طليعي في إحلال السلام الحضرمي.

نص الاتفاق في مبتداه على أن الطرفين "ترابطا ترابطاً وثيقاً على أن يسعيا سعياً حثيثاً إلى كل ما فيه صلاحهما وحفظ شرفهما وتقوية مركزهما وأن يعملا عملاً صادقاً بكل إخلاص لما يجلب الخير والفلاح لأمتهما وبلادهما"..

أبرم الاتفاق رغم ما للسلطان القعيطي من مآخذ وملاحظات على شخص ابن عبدات من "غرابة أطوار، واغترار بانتصارات وقتية".. ومن تقويم عام لحركته غير الموفقة في توقيتها وأسلوبها وتحالفاتها الخارجية (...) إلا أن رغبة الأمير علي بن صلاح القعيطي في "تفادي الأخطار" أرته أن "من الواجب مجاملة ابن عبدات والتظاهر بالصداقة معه لأسباب أهمها:

أولاً: صيانة المنطقة من التعديات والمحافظة على الأمن،

ثانياً: الوقوف دون أطماعه وتعدياته في بلدان الدولة القعيطية،

ثالثاً: إفساح المجال للتدخل لما فيه المصلحة العامة،

رابعاً: الأمل في التوصل لحل مشكلته طبقاً لرغبة الحكومة".

غير أن الاتفاق أضره وتسبب في عزله شخصياً، وإضعاف موقفه رغم قوة منطقه وحجته التي حاجّ بها دفاعاً عما فعل، وعياً بمسئوليته كرجل دولة حسبما تبدى من لغة واعية تخللت خطاباته ووثائقه المجموعة في آثار ولده السفير عبدالعزيز.

المهم في هذا، اعتماد تكتيك النفاذ إلى ثغور التهدئة المحرِز لاستراتيجية الاستقرار ومصلحة العامة، بأسلوب ينم عن وعي تام بتلك المصلحة والهدف: الاستقرار المطلوب أبتحالف مع الشيطان أو تفاهم مع الإنسان، سواءٌ لنجاح الحركة المناهضة أو استمرار المنظومة القائمة، لكي يبنى الكيان بناءً سليماً لا تذروه رياح أو تهزه زلازل.

والشيء بالشيء يذكر، فقد عقدت قبائل اليمن على جانبي السلطة والمعارضة اجتماعين عززا فيه تنازع الشرعيتين الدستورية والثورية، واستفز اجتماع أحدهما بمواقف وتصريحات فردية نده الآخر لعقد اجتماع ومؤتمر مضاد. والضد لا يظهر -دائماً- حسنه الضد، وبذلك يضاف إلى سجل التاريخ الحافل بمحاسن ومساوئ القبليين، بعضها تكرر وبعضها اندثر، وما شاء الله كان. علماً بعدم خلو الصراعات السياسية في هذا البلد من دور قبلي أفاده الصراع من الجانبين، وخدمه سلام الجانبين.. حسب الواقع المعاش.. إذ ظل للقبائل دور محفوظ في الحرب والسلم، كما الحصة المصونة وإن شعر بعضهم المستفيد بالغبن أيضاً!

لكن ذلك لا يمنع من أن يستعيد باتفاق وترابط وثيق كلٌ دوره المرجو أن يكون إيجابياً وبناءً وخلاقاً "ويحفظ الشرف ويقوي المركز ويجلب الخير والفلاح".

وينبعث الأمل في استعادة الدور المرجو إيجابيته من انفعالات وتفاعلات للمشهد اليمني، فعلاً ورد فعل، ما حالت أبداً من أن يتضمن في بيانات المشهد القبلي اليمني ولا سيما الأخير المنعقد في 16 أغسطس 2011م ما ييسر الارتحال إلى مواطن اتفاق بدلاً عن الإقامة في مواضع اختلاف.

ولئن قال بيان وقاعدة ووثيقة مؤتمر قبائل اليمن بمبدأ الحوار ونبذ العنف وحرص على محاربة الثأر القديم، فذلك يعني أن لا اتجاه لديه –كما يأمل الناس- للسير في خط إثارة ثأر جديد، وقد وفقوا بأن لم يذكروا شخصاً بعينه وإن في النفس ما فيها، إلا أن استرجاع الأخوة ممكن متى التقوا بتجرد ومسئولية مشتركة تجاه وطنهم، الذي لا يُشك في حرص أحد عليه، وإن عازه الأسلوب وافتقر إليه!

فبمثل ما أدينت محاولة اغتيال رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح الذي أدان سرقة مشروع ثورة الشباب -وإن كان ضده-، فقد أدان مؤتمر القبائل أحداث جمعة الكرامة وطالب بمحاكمة المدانين، وما طال الحصبة من دمار وضرب سواء ما حل ببيوت ومصالح عباد الله أو بيوت الله.

وإذا كانت القبائل كما سلف في بيان "مؤتمرها العام"، مؤمنة بالحوار مستعدة للكف عن ضغط الزناد -كما استعدادها لضغطه- فهي في "هدفها العام" أيضاً حريصة على تقوية وتثبيت مركزها وحفظ كيانها، والأحرى تداعي عقلاء القبائل في الجانبين –والعقلاء فقط- مهما تباينت آراؤهم واتجاهاتهم، إذ تجمعهم وتجمع عامة الشعب اليمني أضرار الأزمة، تداعي العقلاء جميعاً إلى حوار شامل فيما بينهم يجمعهم في خندق تجنيب المواطن والوطن أضرار "الأزمة الأسوأ" كما يصفها نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.

إن المسألة أبعد وأكبر من أشخاص طامحين، ومن شخص رأس النظام، وشخوص معارضيه، وارتزاق مؤقت على حساب أوطان باقية فيما الأشخاص من كل جانب إلى زوال. وما لم يتم النفاذ من الثغرات الإيجابية فلن "يقوى مركز" ولن "يصلح" أحد ولن "يصان الشرف" ولن "يجلب الخير والفلاح للأمة والبلاد"، وستتفرق سبأ أيدٍ وقبائل وشعوب.. ويستحيلون من "شعوب وقبائل لتعارفوا" إلى تعارضوا وتعاركوا و.. تقاتلوا!

فإلى الحوار لا "الحِراب". طالما الفرصة سانحة لأن يكون العقلاء في القبائل دعامة سلام لا أداة صراع منهكة لجانبيه ومستثمرة له، وسيؤجرون على توطيد السلام بأكثر مما سيؤجرون على إذكاء الصراع.

زر الذهاب إلى الأعلى