[esi views ttl="1"]
arpo28

الحراك في اليمن.. من «الجمعيات» إلى «الكتائب»!

الوضع الطبيعي في البلد أن يتأطر الناس في أحزاب سياسية في السلطة والمعارضة باعتبارها المشاريع السياسية الوطنية تسندها منظمات المجتمع المدني، وهذا هو ما توصلت إليه المجتمعات الديمقراطية ولذلك اتفق اليمنيون عند تحقيق الوحدة على أساس الديمقراطية والتعددية كأرضية صالحة ليبني عليها، لكن اليمن شهدت في السنوات الأخيرة تطورا في اتجاه مضاد سيلغي -في حال استمراره- هذه القاعدة وسيحيل الأرضية الصلبة الصالحة للبناء إلى أرضية سبخة لا تصلح للبناء ولا للزراعة.

ثمة تقاطع في المصلحة بين عدة أطراف في الداخل والخارج لمواصلة السير في هذا الاتجاه المضاد للبناء الديمقراطي في اليمن، فالنظام يجد لدى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مشروعا بديلا يهدد مستقبله، وبالتالي بنى استراتيجيته على محاربتها ونقضها وتعطيل أدوات عملها، من خلال استهدافها المتواصل وبشتى الطرق والوسائل، وفي مقدمة ذلك دعمه للمشاريع والكيانات البديلة التي لا يخشى منها منازعته الأمر لأنها لا تملك مشروعا سياسيا مثل الكيانات المشيخية، أو تملك مشروعا سياسيا -وإن لم يكن معلنا- لكنها لا تعترف بأدوات العمل السياسي المشروعة مثل جماعة الحوثي.

بالنسبة للكيانات المشيخية هي البديل الأنسب من وجهة نظر النظام إذ اعتاد على التعامل معها، وأصبح يمتلك خبرة طويلة في تحليل تركيبتها ويساعده على ذلك عدم امتلاكها مشروعا -كما سبق- وأنها مبنية بناء هرميا بحيث يستطيع أن يدير المجموع من خلال استهداف أعلى الهرم، إضافة إلى الثقافة الاجتماعية التي تدين لرموز القبيلة ولم تألف الارتباط الحزبي بعد.

من هنا يتضح السبب الذي يحمل المملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- لتوجيه دعمها ومد جسور علاقاتها مع المشائخ والتكتلات المشيخية وليس مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ولهذا السبب لا أتوقع استمرارا للعلاقة الجديدة بين مجلس التضامن الوطني واللجنة التحضيرية للحوار، لأن تحول الكيان المشيخي لمساندة الكيانات الحزبية السياسية خروج عن النص المتفق عليه بين هذا الكيان وبين النظام، وبينه وبين المملكة كونها الداعم الأول له ولتأثيرها الكبير على الواقع السياسي اليمني، وإذا لم يكن يصل إلى الحد الذي يمكن وصفه فيه بأنه خروج عن النص المتفق عليه، فهو -على الأقل- خروج عن النص الموافق عليه من قبل النظام والمملكة.

والحديث عن المملكة هنا ليس إقحاما لها في الموضوع بل ناشئ من كونها الأكثر تأثيرا في اليمن ولعلاقتها العلنية والتاريخية مع المشائخ إضافة إلى ما سبق. وعلى هذا فإما أن يفاجئنا مجلس التضامن بالانسحاب والتراجع عن خطوة التحالف مع لجنة الحوار كما فاجأنا بالتقدم نحوها، وإما أن نفاجأ بالأحزاب تتراجع عن مشروع هذا الحوار الوطني بعد أن تغير نظرتها تجاه هذه اللجنة.

ليس هناك أحد ضد تحالف المشائخ والأحزاب، بل إنما يكتسب الحوار صفة «الوطني» لأنه يضم كافة التكوينات السياسية والاجتماعية، ودون هذا لا يمكنه وصفه ب»الوطني»، وإنما المشكل هو اتحاد مادتين مختلفتين في الماهية، فاللقاء المشترك على سبيل المثال قابل للتوسع بانتماء أحزاب أخرى إليه لكنه لا يمكن أن يستوعب نقابة من النقابة كشريك، باعتبار أن ماهية النقابة مختلفة عن ماهية الحزب ولا يستطيع أن يستوعب مجلسا كمجلس التضامن كشريك ولذات السبب.

المشائخ في مجلس التضامن هم أعضاء في أحزاب المشترك أو أعضاء في المؤتمر الشعبي أو مستقلون، وعلى هذا فالمنتمون إلى المؤتمر الشعبي لا يمكن اعتبارهم حليفا أو شريكا للجنة الحوار الوطني نظرا لأنهم جزء من السلطة التي ترفض الاعتراف بلجنة الحوار فضلا عن التعاطي معها بأي شكل وبأي مستوى، والمنتمون لأحزاب المشترك هم أصلا ممثلون في اللجنة من خلال أحزابهم، والمستقلون هم أقرب إلى هذا الطرف أو ذاك، أي أقرب للمشترك أو المؤتمر، ويجري عليهم ما جرى على زملائهم المنضوين في هذه الأحزاب.

وإن لم يجر عليهم ما جرى على هؤلاء فالأصل أن شأنهم شأن المكونين للجان الفرعية المختلفة في لجنة الحوار الوطني.. المستثمر في لجنة الاستثمار، والمناضل في لجنة المناضلين، والشخصية الاجتماعية القيادية في لجنة قادة الرأي.. الخ.

بهذه الطريقة أستطيع فهم علاقة مجلس التضامن مع لجنة الحوار أما العلاقة الحالية فهي ليست أكثر من ورقة سياسية يستخدمها المجلس لتحقيق مكاسب معينة، أو ورقة سياسية تستخدمها اللجنة التحضيرية وأحزاب المشترك، وفي الحالتين هي ورقة آنية مؤقتة، وهناك احتمال ثالث يمكن التطرق إليه وهو غياب الرؤية والهدف لدى أحد الطرفين أو لديهما معا.

في اتجاه الحوثي، منذ توقيع الاتفاق بين ممثلين عن جماعته وممثلين عن لجنة الحوار الوطني لم نسمع عن خطوة واحدة تتجاوز ذلك الاتفاق المبدئي، وستظل مشكلة اختلاف الماهية عائقا أمام أي تقدم حقيقي في هذه العلاقة، خاصة وأن الحوثي لا يعتبر اتفاقه مع لجنة الحوار انضماما إلى ركب الحوار بل يعتبره شراكة -وإن لم يصرح بذلك- تماما كما وصف حسين الأحمر علاقة مجلسه بلجنة الحوار إذ قال إنها شراكة وليست انضماما، ولا أفهم ماذا يترتب على تأكيد أنها شراكة وليست انضماما!؟

وإذن فهي ورقة سياسية يريد الحوثي أن يستخدمها لتحقيق مكاسب معينة، أو ربما أنه لا يعرف ماذا يريد وفي أي لحظة سيعلن انسحابه، أو أنها ورقة سياسية يريد المشترك ولجنته التحضيرية استخدامها لتحقيق مكاسب معينة، أو ربما أن المشترك ولجنته لا يعرفون ماذا يريدون وفي أي لحظة سيعلنون الانسحاب (أرجح أنهم سينسحبون من غير إعلان)!!

في اتجاه الحراك سيتكرر ذات الحديث السابق عن مشكلة الماهية، وهي العقبة الأولى دون تحقيق أي قدر من التواصل بين اللجنة التحضيرية والحراك، ولم يتمكن الحراك أن يخطو خطوة واحدة على غرار خطوة الحوثي في الاتفاق المبدئي المشار إليه مع اللجنة التحضيرية، نظرا لعدم وجود قيادة يمكن التعامل معها. وبالمناسبة: دول الإقليم تتعامل -رسميا أو شعبيا- مع الحراك وتقدم له الدعم بمختلف الصور والمستويات لكنها لا تبدي أي استعداد للتعامل بأي صورة مع الأحزاب، وهذه واحدة من نقاط التقاطع بين النظام ودول الإقليم المشار إليها إجمالا في السطور الأولى.

كيانات رديفة للأحزاب أم بديلة!؟

الثلاثة الأطراف المذكورة «الحراك، الحوثي، مجلس التضامن» جميعها في الأصل كانت ضمن الأطر الحزبية في السلطة أو المعارضة، لكنها انشقت واتجهت لتكوين إطارات خاصة بها وأدوات عمل مختلفة عن أدوات الأحزاب، مع خصوصية لمجلس التضامن الذي لم ينشق أعضاؤه عن الأحزاب وإنما جمعوا بين الإطارين، وإذن ما الذي يحمل أيا من هذه الأطراف على العودة للتحالف مع الأحزاب؟ بل إن القيادات في الحراك وفي جماعة الحوثي كانت قيادات في هذه الأحزاب.

لو كان الحوثيون أو الحراك يؤمنون بالتعددية ومقتنعين بالآلية الحزبية لما غادروا الأطر الحزبية أصلا أو لعادوا إليها بعد خروجهم على الأقل، لكنهم في الحقيقة لا يؤمنون بالتعددية خيارا لنظام الحكم، ولا بآليات الديمقراطية طريقا لتداول السلطة وإصلاح الأوضاع.

ليس الهدف من هذه التناولة استعراض إمكانية نجاح لجنة الحوار من عدمه وإنما الهدف هو الإشارة إلى أن هذه الأطراف ليست إلا نتيجة لفساد آلية الحكم التي ارتكزت في تعاملها مع الوطن على فرضية أن الأحزاب هي الخصم الذي يجب ضربه، من خلال التفتيت واستحياء كيانات بديلة يتجه إليها المجتمع على حساب الأحزاب، ومن خلال إغلاق قنوات العمل السياسي الديمقراطي باعتبارها أدوات الأحزاب، مع الإشارة هنا إلى أن الحراك له خصوصية إذ لم يأت ابتداء كنتيجة لسياسة ضرب الأحزاب لكن شكله الذي تبلور فيه مؤخرا هو نتيجة لهذه السياسة التي تستهدف الأحزاب، بمعنى أنه نشأ لأسباب معروفة يتحدث عنها كل من يتحدث عن أسباب القضية الجنوبية، وبدأ حراكا سليما محددا مطالبه الحقوقية والسياسية ثم تدخلت السلطة وتدخلت أطراف في الخارج لصرفه عن المشترك أو لصرف المشترك عنه ليبدأ التقسم والتشرذم، وليتجه نحو العنف ولا يزال يعمق هذا الخيار، وعليه فإن صورة الحراك الحالية هي نتاج لسياسة ضرب الأحزاب واستهداف الديمقراطية.

وعندما اختلف النواب حول قضية نهب أراضي الحديدة انقسموا إلى كتلتين: كتلة صنعاء، وكتلة الحديدة ولم يسبق في اليمن ولا في العالم أن انتسبت كتل برلمانية إلى المناطق، ثم كانت آلية حسم الخلاف هي البنادق والتحكيم القبلي. ماذا يعني أن يحدث هذا في البرلمان الذي هو خلاصة الأحزاب والذي يعول عليه حراسة الديمقراطية وتنميتها؟

الحراك.. المنعطف الأخير
تمضي السلطة بهذه السياسة نحو تفتيت الأحزاب منتظرة اللحظة التي تصل فيها الأحزاب إلى مرحلة الشلل التام أو العجز الكلي سياسيا وشعبيا، لكنها لا تحسب حسابا للنتائج التي ستعقب هذه النتيجة إن تحققت، سواء من الناحية السياسية، أو من الناحية الاجتماعية التي يمكن تلخيصها بنسف مفهوم الدولة لدى المجتمع الذي يفقد بالتدرج مرجعياته الشرعية «الأحزاب وأدوات العمل الديمقراطي» لتصبح دولة كل إنسان هي بندقيته!!
في عتمة استخدم المواطنون السلاح في وجه الدولة، وفي شرعب استخدم المواطنون السلاح ضد الدولة، والحوثي يستخدم السلاح ضد الدولة، وبغض النظر عن دوافع ذلك، وما إذا كان ذلك دفاعا عن النفس أو اعتداء، وما إذا كان هناك مصطلح اسمه «الدفاع عن النفس» ضد الدولة..

بغض النظر عن كل هذا فإن ما يحدث ليس إلا عودة من الشعب اليمني إلى ظلاله القديم سعيا وراء السلطة، وتراجعه من شعب يدين لدولة، إلى شعب يدين فقط للبندقية.. وإذا كان هذا في شرعب وعتمة التي طرحت السلاح عن ظهرها لزمن طويل فيما مضى إلا من قليل في إطار التحول إلى المدنية، فماذا نتصور من الحراك في المحافظات الجنوبية الذي لم يعد يعترف بشرعية الدولة أصلا؟

لقد نسف من ذهن الحراك شرعية الدولة ومؤسساتها، ثم نسفت من ذهنه الأحزاب كمرجعيات وأطر للعمل، ويشهد الآن تحولا جديدا لا شك أنه هو المنعطف الأخير، ومفاده الانصراف عن قياداته التي أفرزها الواقع خلال السنوات الثلاث التي هي عمر الحراك، وقد نقل الزميل عبدالرقيب الهدياني عن أحد المواطنين من أبناء الحراك سأله عن قائده من هو؟ فأجابه: أنا قائد نفسي!! وأعقب ذلك بسيل من الأوصاف السيئة كالها لقيادات الحراك.
هذه الكلمة يجب الوقوف عندها طويلا، فهي عنوان المرحلة القادمة أو ما أصفه ب»المنعطف الأخير» ولربما يأتي علينا يوم نبكي فيه علي ناصر النوبة وحسن باعوم، وإذا كان «طماح» وكتائبه «سرو حمير» ما تزال محدودة الخطر، فإن هذه العبارة البسيطة الواردة على لسان مواطن بسيط تنبئ عن أكثر من «طماح» قادمون وكلهم طموح إلى العنف والتخريب، فإذا هو انفلات غير مسبوق لا سلطة فيه لأحد على أحد، وكل شخص يحمل على ظهره بندقيته ويمضي وشعاره «أنا قائد نفسي»!!

وكما بدأ الحراك السلمي يتشكل في 2007م من جمعيات، فالحراك المسلح سيتشكل في 2010م من كتائب، والأسباب التي حالت دون انتقال عدوى الحراك السلمي إلى المحافظات الشمالية وفي مقدمتها المطالبة بالانفصال، لن تحول دون انتقال عدوى الحراك المسلح، خاصة وأن الشمال بطبيعته أكثر ميلا إلى العنف، سواء العنف الرأسي -إن صح التعبير- وأعني به اجتراء المواطن على الدولة واستخدامه السلاح في وجهها خاصة وأن الخيار العسكري أصبح هو الخيار الأول لدى السلطة في التعامل مع المواطن وبما يبرر له مواجهتها تحت لافتة الدفاع عن النفس، أو العنف الأفقي فيما بين المواطنين «أشخاصا، قبائل، مناطق».

نحن دولة تحولت عن الشمولية ولم تستطع الوصول إلى الديمقراطية، فعادت تمشي كالغراب، وبات على المؤتمر الشعبي العام أن يقتنع بأن العودة إلى الشمولية مستحيلة، ذلك أنه قبل وصوله إلى هذا الهدف ستمر البلاد بمراحل لا يبقى بعدها شيء لحاكم صالح أو طالح، وإن بقي شيء بعد ذلك فلن يلملم إلا بالوفاق والاتفاق على الديمقراطية ولكن بعد أن يدفع اليمن كلفة باهظة!!

زر الذهاب إلى الأعلى