[esi views ttl="1"]
arpo27

الهتار: التربية الوطنية والأمن الفكري لم يحظيا باهتمام حكومي كاف

قال وزير الأوقاف والإرشاد، القاضي حمود الهتار، إن تشكيل المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد يُعد من أهمِّ الضمانات لسلامة السياسات الخاصة بالأوقاف والإرشاد والمهام والأنشطة المتعلقة بالوزارة.

وأشار الهتار في حوار شامل مع يومية "السياسية" الصادرة عن وكالة سبأ إلى أن اليمن حققت العديد من الفوائد على المستويين المحلي والخارجي جراء تجربة الحوار مع المتطرِّفين، والتي بدأت عام 2002, مؤكدا أن من قاموا مؤخرا بعمليات إرهابية ليسوا ممن شملهم الحوار.

موضحا أن ترشيد الخطاب الديني لن يتحقق إلا بإيلاء الارتقاء بمستوى الخطيب ومساعدته على أداء رسالته على أتمّ وجه الاهتمام الكافي..
إلى تفاصيل الحوار، الذي شمل كل ما يتعلق ويدخل ضمن مهام وزارة الأوقاف.

بلد التعايش والتسامح
*مشروع الخطاب الديني وقانون المساجد ناقشتموه في اجتماع "المجلس الأعلى للأوقاف" مؤخرا، ماذا تقرر بشأن ضمان سلامة استخدام المنابر, وكيف يكون توحيد وتعميم الخطاب مفيداً، دون إلغاء حالة التنوع الثقافي الديني؟

-شكرا جزيلا لإتاحة الفرصة لنا للتحدث عبر منبر "السياسية" التي تحتل الصدارة في الساحة اليمنية, وفي الحقيقة تشكيل المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد يُعد من أهمِّ الضمانات لسلامة السياسات الخاصة بالأوقاف والإرشاد والحج والعُمرة والاستثمار، والإشراف على المدارس الدينية بشكل عام, حيث أعطي للمجلس صلاحية مناقشة وإقرار السياسات العامة للأوقاف والإرشاد ومناهج المعهد العالي للتوجيه والإرشاد، وكذلك مُوازنات الأوقاف وحساباتها وتقارير أداء قطاعات الوزارة ومكاتبها في المحافظات والمديريات وغيرها من المهام والأنشطة المتعلقة بالوزارة.

وقد كان إقرار السياسة العامة للإرشاد الديني باكورة عمل المجلس، حيث أقرّها في أول جلسة له؛ لما لها من أهميّة في إحياء رسالة المسجد وتعزيز دورها في الحياة في المجالات الإيمانية والثقافية والاجتماعية والتعليمية، وضمان إبعاد المساجد عن الصراعات الحزبية والمذهبية، لاسيما واليمن تعيش تنوعا ثقافيا وتعددا حزبيا وسياسيا, واليمن على مرِّ التاريخ كان وما زال وسيظل بلد التعايش والتسامح, لم تكن هناك صراعات مذهبية ولا مساجد خاصة بفئة معيّنة أو مذهب من المذاهب, ومن أبرز علامات التسامح المنادي ينادي للصلاة فيتجه اليمني إلى أقرب مسجد ولا يسأل عن هويّة الإمام أو مذهبه أو انتمائه السياسي.

والسياسة العامة للإرشاد تقوم على مرتكزات عدّة تساعد على أداء رسالة المسجد وتحقيق غايات الوعظ والإرشاد، حيث إن عملية الوعظ والإرشاد لم تعد قاصرة على مجرّد التذكير بأحكام الإسلام وفضائله وآدابه، بل أصبحت تُشكل مهاما علمية وعملية تستلزم إعداد الخُطط والبرامج لتنفيذها، وهي محكومة بنصوص شرعية وقانونية، حتى تؤدي رسالتها السامية في إصلاح المجتمع بشكل عام.

مرتكزات السياسة
واشتملت السياسة العامة للإرشاد الديني على عدد من المرتكزات منها: الالتزام بآداب الدعوة وحُرية الرأي المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة, والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن, وتعميق الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وترسيخ مفاهيم أركان الإسلام, التربية الدينية والوطنية القائمة على أساس الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمّة وتعميق شمولية الإسلام لكل جوانب الحياة وحب الوطن, وترسيخ الثوابت الدينية والوطنية ومنها تجسيد الولاء الوطني والإسلامي باعتباره واجبا وطنيا شرعيا يقتضي: حب الوطن والدفاع عنه والحفاظ على سيادته وأمنه واستقلال مكتسباته والتمسك بأهداف الثورة والحفاظ على النظام الجمهوري وإرساء قواعده وأسسه والوحدة الوطنية ونبذ الكراهية والعصبية والسلالية والمذهبية والحزبية واحترام المؤسسات الدستورية والاحتكام إلى النصوص والمؤسسات الشرعية والدستورية والقانونية عند الخلاف.

أيضا علاقة المسلمين مع غيرهم تقوم على التعاون والعدل والإحسان إليهم إذا لم يقاتلونا في ديننا أو يخرجونا من ديارنا, تعزيز احترام حقوق الإنسان وحُرياته المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة، ومنها: حُرمة الدِّماء والأموال والأعراض, إحياء رسالة المسجد الإيمانية والثقافية والتعليمية والاجتماعية وإبعاده عن الصراعات الحزبية والمذهبية ومواجهة الغلو والتطرف والإرهاب وحماية الأمومة والطفولة ورعاية النشء والشباب وتربيتهم تربية وطنية ودينية, الالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال وتجنّب الغلو والتطرّف فكرا وسلوكا, والحثّ على طلب العلم وتحصيل العلوم النافعة في الدِّين والدُّنيا.

بالإضافة إلى التأكيد على دور العمل في النهوض الاقتصادي والاجتماعي وأهميّة استغلال الوقت في العمل المنتج في ما ينفع الناس، والحثّ على الكسب المشروع وترشيد الإنفاق على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وتحديث أدوات وأساليب الخطاب الإرشادي وتطويرها, ومواكبة مسيرة التنمية وخُططها وبرامجها في المجالات: "التربوية, الصحية, الاجتماعية, الاقتصادية, الأمنية, العدلية, الدمية، وغيرها", ونشر ثقافة الحوار وإحياء لغته ومراعاة آداب الخلاف في المسائل المعتبرة شرعا, وإيضاح الأضرار التي لحقت باليمن من جراء التمرّد الحوثي والعمليات الإرهابية والدعوات الانفصالية وأعمال الاختطاف والتقطّع والأعمال التخريبية الأخرى المخلّة بالأمن والاستقرار على مستوى الجمهورية, وما يجب على الخطباء والمُرشدين والدُّعاة اجتنابه من المحظورات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة, وغيرها مما لا يتسع المجال لذكرها.

ترشيد الخطاب الديني
*الخطاب الوعظي من قبل بعض الخطباء تسيطر عليه العاطفة أكثر من الخطاب العقلاني، كما يزود ببعض الإسرائيليات، أين أنتم من مشروع عقلنة الخطاب الديني في البلد؟

-هي مُهمة شاقة تقوم بها الوزارة من أجل ترشيد الخطاب الديني وتطويره حتى يواكب المتغيِّرات التي تشهدها الساحة ويحقق الأهداف المرجوّة منه ويبتعد عن الشائعات والمعلومات التي قد تكون غير موثوق بصحتها، سواء كانت أخبارا منقولة في هذا العصر أم مرويّة عن عصور سابقة, ولن يتحقق الإصلاح المنشود في مجال الخطاب الديني حتى يعطى الخطيب الاهتمام الكافي للارتقاء بمستواه ومساعدته على أداء رسالته على أحسن حال, فالخطيب هو القلب النابض للإرشاد, واللسان الذي تنطلق منه الكلمة الصادقة والرقيقة التي تقرب الإنسان إلى الله عز وجل وترغبه في فعل الخير وتبعده عن فعل الشر.

توحيد مواعيد الأذان
*حتى الآن لم نستطع توحيد مواعيد الأذان، فكيف لنا الذهاب مثلاً إلى توحيد خطبة الجمعة في كل المساجد؟ وهل تعتقد بأن تكريس ثقافة الوسطية والاعتدال يمكن أن يأتي عبر خطبة واحدة؟
-فيما يخص مسألة المواقيت بذلت وزارة الإرشاد جهودا كبيرة للوصول إلى إيجاد تقويم موحّد وجدول للمواقيت يُراعي خصوصية كل منطقة من المناطق، وبالفعل تم إقرار جدول المواقيت ولأول مرة في هذا العام، وجرى تطبيقه في شهر رمضان، وفي عموم محافظات الجمهورية، ونعتبره مكسبا عظيما, وإذا ما لاحظتم ما جرى في شهر رمضان من العام الماضي فإنكم ستلاحظون التزاما بجدول المواقيت أكثر من أي وقت مضى قد لا يدرك الناس أهميّة الالتزام بالمواقيت أو لا يتابعون جدول المواقيت بدقّة في الأشهر الأخرى، كما يتم في شهر رمضان, وكان هناك التزام جيد في جدول المواقيت في عموم المحافظات. أما بالنسبة للأرياف في الغالب هي تعتمد على خبرة المؤذنين والبعض يعتمد على وسائل الإعلام، سواء كانت وسائل مسموعة أو مرئية, لكن أستطيع القول إننا حققنا شيئا في هذا الجانب يمكن أن يكون إيجابيا، ونتمنّى أن نستكمل ما بقي حتى يتم الالتزام بتلك الجداول في عموم المساجد.
وفيما يتعلق بالخطاب الديني، فالسياسة العامة للإرشاد الدِّيني تسعى لتوحيد الخطاب الديني من خلال توحيد الأسس والمنطلقات والتركيز على القيام بالواجبات واجتناب المحظورات, كما أننا نقوم حاليا بتعويض بعض المواضيع على خطباء المساجد، ويتم الالتزام بها في عموم محافظات الجمهورية, على الأقل المساجد في المُدن الرئيسية. أما بالنسبة للمساجد الصّغرى التي في القرى والأرياف ربما قد تكون وسيلة الاتصال غير فعّالة، أما في المناسبات العامة فإن التواصل فيما بين الوزارة ومكاتبها وعموم المساجد في الجمهورية قائم.

تنظيم المراكز الدينية
*"المراكز الدينية الموجودة لا تجد متابعة من الدولة وحينما تصبح في المرحلة العملية يتم الالتفات إلى خطورتها"، ماذا صنعت الوزارة بهذا الصدد؟
-في عام 2004, 2005 جرت عملية حصر للمدارس والمراكز الدينية الموجودة في اليمن وتجاوز عددها حينذاك 4500 مدرسة, بعضها يتبع وزارة التربية والتعليم والبعض الآخر يتبع وزارة الأوقاف والإرشاد، وقلّة منها كانت خارجة عن إشراف الوزارتين، ثم جرى الاتفاق مع معالي وزير التربية والتعليم على توحيد إدارة المدارس الدينية والإشراف عليها، وأُعطي للمجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد صلاحية مناقشة وإقرار مناهجها. وقد استعرض المجلس في إحدى جلساته ثلاث دراسات عن المدارس الدينية في اليمن وسُبل إصلاحها، وكانت هناك خيارات ثلاثة: الأول، خيار الإبقاء على ما هي عليه, وهذا أمر غير مُمكن. والثاني، خيار الإلغاء, وهذا أيضا غير وارد؛ لأن هذه المدارس مُنشأة من فترات وسنوات سابقة، ومرت عليها عقود، ومن الصّعب أن تُلغى بجرة قلم. والثالث، هو خيار التنظيم, وهو الخيار الأسلم من وجهة نظرنا، من خلال الالتزام بإجراءات وشروط ومواصفات إقامة المدارس والترخيص لها، والالتزام بالمناهج التي سيُقرها المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد والإشراف عليها، وبما يضمن ترسيخ الوسطية والاعتدال، ومحاربة التطرّف والغلو بكافة الأشكال والصور.
خلال الفترة الماضية، قُمنا بجهود مشتركة مع وزارة التربية والتعليم للإشراف على هذه المدارس، وأعتقد بأن تلك الجهود حققت ثمارا طيبة، ونسعى لتحقيق المزيد.

مؤشرات خطيرة!
*"استراتيجية وطنية للتربية والتعليم والثقافة والشباب والإعلام والإرشاد" ما الجديد في هذه الاستراتيجية عن سابقاتها؟ وهل نفهم من ذلك أننا كُنا على مدى سنوات دون مُحددات رئيسية في هذا الاتجاه؟
-أنتم تدركون بأن الدولة خسرت ما يقارب 150 مليارا عام 2008؛ بسبب أحداث التمرّد في صعدة، وأنفقت مثل هذا المبلغ أو أكثر منه بسبب العمليات الإرهابية التي شهدتها اليمن، وعمليات الاختطاف والتقطّع، فكل عملية اختطاف تشهدها الساحة اليمنية تلحق أضرارا مادية ومعنوية باليمن تُقدّر بمئات المليارات من الريالات, قد لا يُدركها العامة من الناس بسبب بساطة فهمهم؛ لكن حينما يتّكل الإنسان على الخارج أو يقرأ ما تنشره وسائل الإعلام يُدرك حجم هذا الضرر, بالإضافة إلى ما ألحق باليمن من أضرار بسبب الحراك الذي بدأ وحدويا وانتهى بدعوات انفصالية من بعض المنتمين إلى الحراك، أما أصحاب المطالب المشروعة فنحن معهم ونؤكد على تلبية مطالبهم، ولكن تحت سقف الوحدة والشرعية.
ونقول مع ذلك ليس بغريب أن نجد من جيل الثورة من يقاتل ضدها بشراسة من أجل إعادة الإمام، ومن جيل الوحدة من يقاتل ضدها بشراسة من أجل إعادة التشطير، أو أن نجد من يغلب الولاء الشخصي أو الحزبي أو المذهبي أو السلالي أو التبعية الخارجية على الولاء الوطني، أو أن نجد شابا في مقتبل العُمر يضحِّي بنفسه في عملية انتحارية، أو أن نجد من يتعاون مع المتمرِّدين أو يتقاعس عن نصرة الدولة لإنهاء حالة التمرّد, طالما التربية الوطنية والأمن الفكري لم يحظيا باهتمام كافٍ منذ قيام الوحدة المباركة, لذلك فإن هذه الاستراتيجية هي التي ندعو لإقرارها. ووضعنا تصوّرا لمجلس الوزراء لتشكيل لجنة عُليا لمناقشتها وإقرارها، وأصدر مجلس الوزراء أمرا بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية وعضوية وزراء "التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب والإعلام والتعليم الفني والشؤون الاجتماعية والداخلية والشؤون القانونية والإرشاد وحقوق الإنسان" لما لها من أهميّة. وقبل هذا وذاك فإنها ضمن مهام الحكومة التي وردت في بيانها المقدّم للبرلمان نالت بموجبها الثّقة, حيث نص البيان على إعداد استراتيجية وطنية للتربية والتعليم والثقافة والشباب والإعلام والإرشاد تقوم على أساس الالتزام بالكتاب والسّنة والدستور والقوانين النافذة والوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش والوحدة والولاء الوطني، وهذه مرتكزات أساسية لهذه الاستراتيجية, بالإضافة إلى المُرتكزات الأخرى التي يجب أن تقوم عليها. ونحن عاكفون على دراسة تجربتنا في اليمن أولا ثم تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، ونحاول الاستعانة ببعض الخبراء والمتخصصين لإخراج هذه الاستراتيجية بصورة تحقق الأهداف المرجوّة منها, خاصة وأننا ندرك بأن مؤشرات خطيرة بدأت تُطلّ علينا كالعصبية "السلالية والحزبية والمذهبية والقبلية والمناطقية" والتي لم تكن موجودة من قبل، وعلينا أن نعالجها بطرق علمية صحيحة, وأن نتجاوز الارتجالية وردود الأفعال غير المدروسة؛ لأنها ربما تزيد الهُوّة اتساعا، وتُفاقِم من المشكلات، ولا بُد من دراسة المشكلات القائمة ومعالجتها بطرق سليمة.

الإرادة السياسية متوفِّرة

*لعلّ اليمن واحد من أكثر البلدان عنًى بالاستراتيجيات، فالمهم أن تجد هذه الاستراتيجيات طريقها للتنفيذ، فما سبيلكم إلى ذلك؟
-في حقيقة الأمر، كُلّما كانت الاستراتيجيات منطلقة من دراسات وبحوث، وكانت موضوعية فيما تتناوله، وتوفّرت لها إرادة سياسية وإمكانات مالية، فإن النجاح حليفها بالتأكيد، وأعتقد بأن هذه المقومات الثلاثة ستتوفّر في هذه الاستراتيجية وستُبنى على دراسة للواقع وتشخيص للمشكلات وتحديد للمنطلقات، ورؤى واضحة، والجميع يشعر بأهميتها. كما أن الإرادة السياسية متوفِّرة، ونتمنّى أن تتوفّر لها الإمكانات.

المناهج والروح الوطنية
*ماذا لاحظتم على المناهج التعليمية من نقص وقصور حتى يتم تطعيمها بالأسس التي ترتكز عليها الاستراتيجية؟ وهل كانت المناهج خالية من هذه الروح الوطنية؟
-هذا السؤال سيجرنا إلى الحديث عن أساس المشكلة, الطفل الوليد الذي لم يتجاوز السادسة من عُمره يحارب على ست جبهات, فطرته التي فطره الله عليها، وسلوك أبويه، والبيئة التي يعيش فيها، والمنهج الذي يتلقاه، والأستاذ الذي يقف أمامه، ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها, هذه السّت الجبهات تُؤثِّر على المتلقِّي بطريقة مباشرة، وتصنع مستقبله ورؤاه, ولذلك فقد يعيش صراعا بين فطرته التي فطره الله عليها، وبين سلوك أبويه، الذي قد يكون بعضه مخالفا لتلك الفطرة، وبين الواقع الذي يعيشه، خاصة وأنه لا بُد أن يحتك بأفراد المجتمع، وأن يلتقي الآخرين، وبين المنهج المُحدد للدراسة فيه, وأنا أشفق على ذلك الطفل وهو يتجه في السنة الأولى للدراسة يحمل على ظهره عبئا ثقيلا. وكُنت أتمنّى لو جمعت تلك الكُتب كلها في كتاب واحد لا يتجاوز كتاب جُزء "عمّ"، على القاعدة البغدادية التي درسناها في مقتبل العُمر؛ حتى نستطيع أن نعلّمه مبادئ القراءة والكتابة أولا، ويتعلّم تلاوة القرآن قبل أن ندعوه إلى الحفظ، كما كُنّا نتلقى من قبل, وكانت هذه طريقة مناسبة, كذلك سلوك المدرِّسين وما يجب أن يكون عليه حال المعلّم وسلوكه الذي يُعد القدوة الأولى للطالب. ثم بعد ذلك وسائل الإعلام ونحن نعيش عصر العولمة والفضاءات المفتوحة، وبإمكان الطفل الآن أن يتحكّم بالقناة الفضائية عبر ال"ريموت كنترول"، ويتنقل من قناة إلى أخرى، وكل هذه تُساهم في رسم شخصيّة هذا الإنسان. ولذلك أنا لا أوجّه اللوم إلى مناهج التعليم أو واضعيها بمفردهم، ولكن إلى هذه الجهات السّت؛ لأنها لم تُسهم في تربية النشء تربية طيبة.
ويمكن أن نوجّه اللوم أيضا إلى الأحزاب والمنظمات والنّقابات والاتحادات؛ لأنها لم تولِ هذا الموضوع جلّ اهتمامها, فما الذي قدّمته هذه الجهات من أجل حُسن تربية الشاب وتنشئته تنشئة صالحة تجعل منه إنسانا مفيدا لنفسه وأمّته. قد يقف الإنسان أمام الإصدارات الصحفية التي يشهدها اليمن، وقلّ أن تجد معلومة تربوية أو ثقافية يمكن أن يستفيد منها الشاب أو غير الشاب وهذه مشكلة عامة.
*هل أخذ مثل هذا التوجّه من النقاش ما يكفي بحيث لا يكون رد فعل لظروف سياسية وأمنية راهنة؟
-نحن بدأنا بطرح الموضوع، في بداية تشكيل الحكومة في إبريل 2007. وخلال الثلاثة الأعوام الماضية، عقدنا لقاءات عدّة سواء على مستوى الحكومة أم على مستوى الهيئات والجهات المعنية بالدراسات والبحوث والتعليم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حاولنا أن نستفيد من المنظّمات الإقليمية والإسلامية المعنية بهذا الشأن.

فوائد الحوار مع المتطرِّفين
*إلى أي مدى يمكن الجزم بأن تجربة اليمن في الحوار مع المتطرّفين حققت إنجازاً؟
-فكرة الحوار بدأت يمنية ولاقت استحسانا دوليا، وكُنّا قد بدأنا عملية الحوار عام 2002، وحققنا العديد من الفوائد على المستويين المحلي والخارجي؛ من خلال إيجاد الأمل لدى أولئك الأشخاص بإمكانية العيش بسلام إذا ما تخلّوا عن العنف, لأن فقدان الأمل يضع الشخص أمام خيارين لا ثالث لهما، إما مقاتلا أو مقتولا, وربما عمل بالمثل اليمني القائل "اتغدى به قبل ما يتعشى بك"، وكانت هذه الفائدة الأولى. الفائدة الثانية: تصحيح المفاهيم الخاطئة التي كانت موجودة لدى بعض أولئك الشباب عن الإسلام، والذي هو دين الحُرية والعدالة والمساواة والتسامح والتعايش، وهم فهموه بخلاف هذه المعاني، ولذالك فإن آلية الحوار ساعدت على إزالة المفاهيم الخاطئة وإحلال المفاهيم الصحيحة محلها. والفائدة الثالثة: نزع فتيل المنازعات الدموية بين أولئك الأشخاص وبين الأجهزة الأمنية؛ من خلال إيقاف المُلاحقات غير القانونية والإبقاء على العمليات الإرهابية. الفائدة الرابعة تمثلت في ترسيخ الأمن والاستقرار، فتقريبا منذ أواخر نوفمبر 2002 وحتى نهاية 2005، لم يشهد اليمن أي حادث إرهابي يُذكر, والعمليات التي حدثت قبل هذا التاريخ أو بعده إذا ما قُورنت بإمكاناتنا في اليمن وبحجم العمليات الإرهابية التي حدثت في العديد من الدول ذات الإمكانيات الوفيرة والقدرات الكبيرة فإن ما حدث في اليمن يُعد أمرا يسيرا, إذا ما قارنا ضحايا العمليات الإرهابية التي حدثت في اليمن على مدى سنوات فإنها لم تتجاوز 30 شخصا في حين عدد ضحايا أحداث يوم الحادي عشر من سبتمبر تجاوز 3 آلاف شخص, لكن هناك تضخيما لحجم القاعدة في اليمن وللعمليات التي تحدث, وأعتقد بأنه إذا ما نظر المحللون بإنصاف إلى ما جرى ويجري في اليمن سيجدوا أن حجم القاعدة أقلّ بكثير ممّا هو في وسائل الإعلام الغربية.
والفائدة الخامسة من الحوار تتمثل في الإفراج عن أكبر عدد مُمكن ممن شملهم الحوار وليسوا متهمين في قضايا جنائية، أما المتهمون فيحالون للقضاء وهو الذي يفصل في أمرهم وفقا للدستور والقوانين النافذة.

*لكن هناك من العناصر التي عادت إلى العنف بصورة أشدّ بعد إعلان التوبة، وهو الأمر الذي ربما أفقد الغرب ثقته بتجربة الحوار هذه؟
-كل من شملهم الحوار، وتم الإفراج عنهم بموجب نتائج الحوار، لم يعدْ أي منهم إلى ما كان عليه من قبل, وأن من قاموا بعمليات إرهابية ليسوا ممن شملهم الحوار، وتم الإفراج عنهم بموجب تلك النتائج.

سيظل الوجه الأول
*عدد المساجد في عموم محافظات الجمهورية 75 ألف مسجد, ما هو تقييمكم لدورها في التوعية بمختلف القضايا بما فيها مسألة التربية الوطنية؟
-كان المسجد وما زال وسيظل الوجه الأول في حياة أمتنا الإسلامية، رغم تعدد وسائل الإعلام والاتصال، وإن حاول البعض إغفال هذا الدور, لكن البنك الدولي في آخر دراسة له أعطى المساجد درجة 82 بالمائة في مكافحة الفساد مقارنة بغيرها من الجهات، والتي كان دورها أقلّ, الجهاز المركزي للرّقابة والمُحاسبة 53 بالمائة، وهيئة الفساد 52 بالمائة, وهذا دليل على أهميتها وتأثيرها.
وقد قامت خلال السنوات الماضية بدور كبير تُشكر ويُشكر القائمون عليه, قد نتفق أو نختلف مع بعض الأشخاص حول ما قامت به المساجد خلال الفترة الماضية، أو ما يمكن أن تقوم به, لكننا نقول إن تأثيرها على الرأي العام والمجتمع أكبر من أي وسيلة اتصال أخرى.

*البعض يتحدّث عن شحة الأموال المخصصة لخدمة بيوت الله، وقد أخبرنا أحدهم أن رواتب خدمات بعض القيّمين وعمّال النظافة لا تزيد عن 1500 ريال, ماذا تقولون؟
-حاولنا خلال السنوات الماضية تحسين المستوى المعيشي للقائمين على المساجد، ونسعى لتحسينه بشكل أفضل. عملنا خلال السنتين الماضيتين على تحسين إعاشة الخُطباء والأئمة بواقع عشرة آلاف ريال شهريا، وهذه خُطوة، وهناك تحسين للمستوى المعيشي للقائمين على المساجد بنسب متفاوتة, لكننا نسعى من خلال مشروع قانون المساجد إلى إجراء تحسين شامل لمستوى القائمين على المساجد بشكل عام.

وضع المساجد الأثرية
*المساجد الأثرية يعاني بعضها من إهمال، ما خُطة الوزارة بشأنها؟
-نسعى لإنشاء إدارة عامة للمساجد والمعالم الدينية التاريخية، ولدينا خُطط وبرامج لصيانة وترميم المساجد التاريخية، وتسعى الوزارة لتنفيذ تلك الخُطط بقدراتها الذاتية وبالتعاون مع الصندوق الاجتماعي ومنظمات دولية, وقد جرى خلال السنوات الماضية صيانة العديد من المساجد، ولدينا مشروع لصيانة وترميم 91 مسجدا ومدرسة في مدينة زبيد، بالإضافة إلى المساجد الأخرى, ونتمنّى أن نوفّق في القيام بهذه المهمّة على أكمل وجه, خاصة وأن المساجد التاريخية في اليمن كثيرة جدا.
*كم عددها؟
-قد تتجاوز 25 ألف مسجد، التي يزيد عُمرها عن 200 عام.

خطة لإنشاء مبنى
* دعنا معالي الوزير ننتقل إلى الوضع الإنشائي لمبنى الوزارة، فالوزارة أغنى الجهات الحكومية بالعقارات والمنشآت، ومع ذلك لا تملك المبنى المناسب تخطيطاً وتأهيلاً؟
-هناك العديد من المباني الموقوفة تملكها وزارة الأوقاف والإرشاد في العاصمة صنعاء، وكانت النظرة سائدة لدى القائمين على هذه الوزارة باستثمار المباني لمصلحة الأوقاف، واستخدام المبنى الذي قد لا يحقق العائد الكبير للوقف للأعمال الإدارية, لكن لدينا خُطة لإنشاء مبنى يستوعب قطاعات الوزارة والعاملين فيها ويُحقق التطوّر المطلوب.

نسعى لردمها
*بالإضافة إلى العبث الواضح بالمياه في المساجد كشفت تقارير طبية خطورة أحواض المياه الموجودة في المساجد، والتي يمر بداخلها المواطنون بعد الخروج من الحمامات وأماكن الوضوء قبل الدخول إلى المساجد، في حين تنتشر هذه الظاهرة تحت مرأى ومسمع الجميع, فما هو دور الوزارة في تأمين صحة المصلين؟ وهل لديكم نيّة وقُدرة على إلغاء هذه الأحواض؟
-الأحواض الصغيرة التي توجد في بعض المساجد الصغيرة في صنعاء اعتاد الناس على وضعها لتحقيق الطهارة المطلوبة للانتقال من مكان قضاء الحاجة والوضوء إلى مكان الصلاة, ولكن من خلال الدراسات التي أجريناها والمتابعات فإن تلك الأحواض قد تكون سببا في انتقال بعض الأمراض, ولذلك فإن الوزارة تسعى جاهدة لردم تلك الأحواض واستبدالها بحنفيات يسيل ماؤها.

الأحذية مسألة وعي
*هناك ظاهرة سيّئة ربما يعتبرها البعض صفة خاصة بالمساجد اليمنية، وهي اصطحاب الأحذية وتكديسها في أماكن مُخصصة للصلاة، هل استسلمنا لهذا السلوك فعلا بكل انعكاساته على صورة المقدّسات الإسلامية؟
-هناك سلوك متّبع منذ عشرات السنين، وليس من اليوم، وهو موجود في الكثير من الدّول الإسلامية, المصلي يضع حذاءه قريبا منه حتى يسهل عليه أخذه والمُحافظة عليه. وهناك أماكن مخصصة لوضع الأحذية في المساجد المتحضّرة، وأعتقد بأن هذه مسألة وعي.

حماية ممتلكات الأوقاف
*ما أهم الإجراءات التي تم اتخاذها للحماية والمحافظة على ممتلكات الأوقاف؟ وهل تم حصر هذه الممتلكات بحيث يسهل متابعتها والتعرّف عليها؟ وما هي الإشكالية التي تواجهكم بهذا الخصوص, وكيف تتعاملون مع المُعتدين على حُرمة الأوقاف؟
-أول إجراء تم هو مشروع الحصر الذي بدأ العمل به منذ ثماني سنوات وما زال العمل فيه جاريا. وثاني إجراء هو تعديل قانون الوقف من خلال إعادة النّظر في شروط المتولين، بإضافة الأمانة والرّشد وحُسن التصرّف والمحافظة على الشعائر الإسلامية إلى شروط المتولّي على الوقف، سواء كان الوقف عاما أم خاصا, واستحداث نصوص خاصة تبيّن أسباب عزل المتولِّي إذا توفّر سبب أو أكثر من تلك الأسباب وجب عزله عن العمل, وإنشاء المجلس الأعلى للأوقاف والإرشاد وتوفير الحماية الجزائية من خلال تجريم الأعمال التي تمثل اعتداءً على أعيان الأوقاف أو مستنداتها، حيث أورد القانون أربع عشرة فقرة أو جريمة اعتبرها في عداد الجرائم الجسيمة التي يعاقب فيها بالسجن مُدّة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن سبع, و12 حالة في عداد الجرائم غير الجسيمة, وإعطاء صفة الضبطية القضائية لموظفي وزارة الأوقاف والإرشاد ومكاتبها في المحافظات, أيضا النص على أن يكون للأوقاف نظام مالي ومحاسبي يقوم على الأُسس المحاسبية والمالية ويُراعي خصوصية الأوقاف ووظائفها المتعددة. وقد صدر بالفعل قرار مجلس الوزراء باعتماد النظام المُحاسبي الموحّد على إيرادات ومصروفات الأوقاف وحساباتها الختامية مع إجراء بعض التعديلات بما يتلاءم مع خصوصية الأوقاف.
كما تم إنشاء مؤسسة الأوقاف للتنمية والاستثمار وهذه المؤسسة ستعنى باستثمار الأراضي والمباني المخصصة للاستثمار وفائض السيولة في المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية بما لا يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية عموما وأحكام الوقف خصوصا, بالإضافة إلى الإجراءات القانونية التي اتخذتها الوزارة لاستعادة ما تم الاعتداء عليه أو اغتصب من أراضي الأوقاف، ولدينا قضايا في المحاكم والنيابات يزيد عددها عن 1300 قضية ونحن نتابع إجراءاتها أمام القضاء، وقد استعدنا بعض تلك الأعيان بموجب أحكام القضاء، ونتمنّى تحقيق المزيد في هذا الجانب.
وكانت أهم المشكلات تتمثّل في غياب الحماية الجزائية بسبب عدم وجود نصوص قانونية تجرّم الاعتداء على أموال الأوقاف، وكانت تأخذ قضايا الأوقاف طريقها أمام المحاكم المدنية، لكن بعد تعديل قانون الوقف بصدور القانون رقم 32 لسنة 2008 فإن هذه القضايا تأخذ طريقها أمام النيابات والمحاكم الجزائية.

مليارات ... ديون مستحقة للوزارة
*ماذا عن ديون الوزارة لدى الجهات والمصالح الحكومية؟
-كثيرة جدا، تتجاوز سبعة مليارات للوزارة لدى الجهات المُختصة, ولدينا أكثر من هذا لدى المواطنين, ونسعى لإيجاد آلية مناسبة لضبط إيرادات الأوقاف وتحصيلها والمُحافظة عليها من خلال الأنظمة الالكترونية التي تيسّر للراغبين في سداد مستحقات الأوقاف لديهم إمكانية السداد بسهولة ويُسر, ذلك لأن النظام الإداري المتّبع قد يحول دون إقدام الناس على سداد ما لديهم. الكثير من الناس لديهم استعداد لدفع مال الأوقاف لديهم لكن ليس لديهم استعداد لقضاء عدّة أيام في مكاتب وإدارات الأوقاف لتسليم ما عليهم أو معرفة قدر المبالغ المطلوبة منهم. والأنظمة الالكترونية التي نسعى لتطبيقها ستوفِّر قاعدة معلومات بناءً على عمليات الحصر التي تمّت، وبناءً على ما يجد من أعمال الحصر وستُيسّر إمكانية الحصول على المعلومات الكافية, وربما يتم في القريب العاجل إعطاء الأعيان الموقوفة أرقاما وطنية يتم التعامل من خلالها فيما يتعلق بإبرام العقود أو تجديدها أو تحصيل عائداتها، ويكون للمستأجرين كذلك أرقام خاصة بهم؛ بمجرد أن يعطي الرقم يحصل على البيانات المتعلّقة به بسهولة ويُسر.

22 مليون دولار
*بالنسبة لمشروع استثمار الأوقاف ماذا عنه؟ وماذا عن ظروف تنفيذ مشروعكم مع نقابة الصحفيين؟
-نسعى لاستثمار أموال الأوقاف بطريقة حديثة مدرُوسة تحقق جدوى اقتصادية للأوقاف وعائدات أفضل من الطريقة التقليدية المتعارف عليها, وكانت استثمارات الأوقاف تعتمد بدرجة رئيسية على إقامة المباني وتأجيرها, ولدينا الآن صيغ كثيرة لاستثمار أموال الأوقاف سواء من خلال المشاريع التي ستقوم بها الوزارة أو المؤسسة مستقبلا منفردة أم من خلال المشاركة مع الآخرين، كما تم مع البنك الإسلامي للتنمية من خلال مشروع مركز الأوقاف التجاري الذي نسعى لإقامته في العاصمة صنعاء، والذي حُددت تكلفته بـ22 مليون دولار، سيُسهم البنك الإسلامي للتنمية في تمويل هذا المشروع، ويستثمر المشروع لمُدة عشر سنوات، ثم يعيده للوزارة المشاركة أو الإدارة المنتهية بالتمليك.
أما مشروعنا مع نقابة الصحفيين ما زال قائما, ونسعى لتوفير الأراضي السكنية المناسبة لذوي الدّخل المحدود سواء الصحفيين أم المحامين أم غيرهم.
*ألديك بعض الرسائل التي يمكن إضافتها في نهاية هذا الحوار؟
-أدعوا أبناء شعبنا للمحافظة على الوحدة الوطنية والولاء الوطني والتسامح الذي عُرف به على مدى التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى