[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

معزوفة (غرناطيّة)

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - معزوفة (غرناطيّة)

جادَكَ الغيثُ يا شِعْرُ
تحتَ الثرى غيمةٌ
وعلى الأفْقِ قَبْرٌ،
و (غرناطةُ) الحُلْمِ
تنأى
وتومئُ لي أنْ تعالَ
تعالَ
تعالَ..
اعطني حجراً لأنامَ عليهِ،
اعطني نسخةً منْ مفاتيحِ جَدّي،
ودعْ حُلُمي يتلذَّذُ
يغرقُ في خضرةِ الأمسِ،
دعْ لغتي تتماهى بأصداءِ أغنيةٍ
ما تزالُ تَرِنُّ
وتجلسُ بي فوقَ جدرانِها الذّاويةْ.

* * *
جادَكَ الحزنُ
يا شعرُ لي منكَ ما يشتهي الطفلُ
- ضَيَّعَ في لحظةٍ أمَّهُ -
منْ حنانٍ وسلوى
وما يشتهي منْ حكايا
تهدهدُ أشجانَهُ،
لا تقلْ: إنَّ عصرَ الزَّوالِ استوى
والفناءاتِ تدنو،
وإنَّ قصائدَنا أثرٌ منْ رمادِ الدُّمُوعِ،
وإنَّ رياحاً خريفيّةً
لزمانٍ قديمٍ تطاردُ أحلامَنا
ثمَّ تصطادُ أرواحَنا الذّابلةْ.

* * *
جادَكَ الماءُ يا عطشَ الرُّوحِ
كيفَ تغيبُ مسالكُنا
والوجوهُ،
وتهجرُنا في السرابِ مواعيدُنا؟
كيفَ تنسى القناديلُ
رَجْعَ أحاديثِنا؟
بينَ (وادي العَرِيفِ)
و (صنعاءَ) ؟
بينَ القلاعِ النَّبيلةِ - وا لَهْفتا -
لغةٌ ووشائجُ قُربى،
هنا في البراري الطويلةِ
كانَ لنا مَنْزِلٌ
وخيولٌ،
وما تشتهي العينُ منْ شُرُفاتٍ،
وما تبتغي الرُّوحُ منْ خمرةٍ،
منْ ترابٍ هوَ المسكُ
منْ طرقٍ تتلألأُ
تركضُ لا تعرفُ الانطفاءَ..
وعطرُ الندى
في المساءاتِ كانَ الدَّليلْ.

* * *
جادَكَ الشعرُ ما برحتْ غيمةٌ
تتقدّمُ صوبَ الجنوبِ
محمّلةً بالهدايا الطريّةِ،
هاربةً منْ دخانِ السّجائرِ
باحثةً عنْ بقايا نقوشٍ على جسدٍ فاتنٍ،
ومقاهٍ تعطِّرُها عشبةُ (القاتِ)..
هلْ يتغيّرُ خطُّ الزَّوالِ
وخطُّ الحضاراتِ؟
منْ ربوةٍ في الفضاءِ معلَّقةٍ
ترشحُ الأغنياتُ القديمةُ
والأحرفُ العربيّةُ
يومضُ خلفَ القرى شجنٌ للرُّخامْ.

* * *
وطناً كانَ
ذاكَ الذي نسجتْهُ بأهدابِها
الأمّهاتُ الحزيناتُ
أمْ كانَ منفىً؟
وأغنيةً كانَ أمْ خنجراً؟
والخيولُ التي أورقَ الرَّملُ تحتَ حوافرِها
أينَ تختبئُ الآنَ؟
في أيِّ وادٍ توارى الصَّهيلُ؟
وفي أيِّ مئذنةٍ يتخفَّى الأذانُ؟
ولا غالبَ اليومَ
مَنْ كانَ يغلبُ بالأمسِ
لا مرتقى،
جلسَ اليأسُ في عرشِهِ
واستوى
آهِ لا غالبَ اليومَ إلاّ الكلامْ.

* * *
آهِ (غرناطةُ) اقتربي
تحتَ سربٍ منَ الذِّكرياتِ أطيرُ إليكِ
يشدُّ خطايَ التعيسةَ
صوتُ بكاءٍ قديمٍ لأهلْي
وصوتُ أنينٍ على المتوسِّطِ
لا يستقرُّ على مَرْفَأٍ..
هلْ تنامينَ مذْ رحلَ القاطنونَ
وصاروا طرائدَ للحقدِ؟
كيفَ ترينَ الصَّباحاتِ
وَهْيَ تطلُّ مبلَّلَةً
بدمِ الشجنِ (المأربيِّ) ؟
وماذا تقولُ القناديلُ؟
هلْ ما تزالُ تبوحُ بأسرارِنا
للقلاعِ الجديدةِ
تحكي معَ الزَّفَراتِ العميقةِ
أسماءَنا
وحكاياتِ ماضٍ أصيلْ؟!

* * *
على كَتِفِ الذِّكرياتِ
يعيشُ الأسيرُ المطارَدُ،
مَنْ (تصطفيهِ التباريحُ)
كلُّ السُّهادِ لهُ ولهُ اللَّيلُ،
كلُّ الحجارةِ لا الماسِ،
كلُّ الغبارِ
وكلُّ الغروبِ
وكلُّ الحنينِ..
ولا شأنَ للرِّيحِ
لا شأنَ للسفنِ الآيباتِ
ولا شأنَ للبحرِ.
يا أيّها العائدونَ أفيقوا
فقد طالَ عهدُ الحنينِ
لِ (غرناطةِ) الحُلْمِ
مرّتْ دهورٌ منَ الزَّفراتِ،
عصورٌ منَ الانتظارِ الطويلِ
الطويلْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى