[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

ما تيسَّر من رعشة الخوف

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - ما تيسَّر من رعشة الخوف

- 1 -
صاحبي
لم أجئْ لوداعِكَ
ما جئتُ - والدمعُ في العينِ مشتعلاً -
للبكاءِ عليكَ،
ولكنني جئتُ يا صاحبي
لأهنّيكَ.. إذْ أنتَ بالموتِ عشتَ
اخْتَزَلْتَ زمانَ الرَّمادِ
وحقّقتَ معجزةَ الخالدينْ.
- 2 -
حينَ حطَّ الرَّصاصُ على القلبِ
واستقبلتْكَ ملائكةُ اللهِ
واستيقظَتْ منْ سباتِ المنيّةِ
عيناكَ،
قمتَ
وقامتْ قيامةُ أعدائِكَ الأغبياءِ،
استقامَ اختيارُكَ
واكتملَتْ بالشهادةِ رؤياكَ
أورقَ في دمِكَ الحبُّ
وانكسرتْ موجةٌ
في دمِ الحاقدينْ.

- 3 -
كانَ أكثرَنا ثقةً بالبلادِ
وبالناسِ،
أكثرَنا خبرةً بفصولِ السياسةِ
يدري بأنَّ الرِّياحَ تهبُّ
لكي تكنسَ الورقَ المتساقطَ
في الرُّدُهاتِ
وفوقَ المكاتبِ،
أنَّ الخصومَ رجالٌ
وليسوا ذئاباً
تحرِّكُهم شهوةُ القتلِ
والكُرْهُ للآخرينْ.

- 4 -
انتظرناكَ..
كانَ الصباحُ جميلاً
وكانَ الندى يتشكَّلُ فوقَ الجبالِ
عقوداً منَ اللُّؤلؤِ المرمريِّ،
ووردُ المقيلِ يداعبُ خدَّ الظهيرةِ،
والشمسُ في أوجِ زينتِها..
فجأةً يغمضُ الضوءُ أجفانَهُ
يهبطُ الانطفاءُ قليلاً
قليلاً،
وتنشجُ حنجرةٌ بالبيانِ الحزينْ.

- 5 -
حينَ قالوا: رحلْتَ عنِ الأرضِ
أمسكْتُ منْ هلْعي بالفراغِ،
ظننتُ الفراغَ أخي
والدُّخانَ زميلي،
وصلَّيتُ حتى أتى النومُ
كيما أراكَ، وأسمعَ صوتَكَ..
أقرأُ - في غفوتي -
ما تيسَّرَ منْ رعشةِ الخوفِ
أغسلُ دمعي برائحةِ الياسمينْ.

- 6 -
هلْ رأيتم جبالاً تموتُ
سماءً تغورُ إلى قاعِها
وفضاءً يضيقُ بألوانِهِ
وسحاباتِهِ
وقناديلِهِ،
وحقولاً تغادرُ وديانَها
وفراشاتِها؟
هلْ رأيتم نهارَ اكتوى صاحبي
بالرَّصاصِ،
وفي دمِهِ
كانَ حُلْمُ البلادِ
- ولا عاصمَ اليومَ -
كنّا جميعاً منَ المغرقينْ؟!

- 7 -
منْ تُرى قتلَ الوردَ
أزهقَ روحَ الحدائقِ
أفتى بموتِ الينابيعِ؟
منْ فتحَ الظلماتِ بنارِ مسدَّسِهِ
وأعادَ ارتعاشَ الظنونِ
وخيطَ الوساوسِ؟
منْ أيقظَ الإثمَ
واجترحَ الصمتَ والدَّمَ
في ساحةِ الكلماتِ؟
ومنْ أرهبَ الضوءَ والسُّنْبُلاتِ..
أحلَّ دمَ المؤمنينْ؟

- 8 -
ذاتَ يومٍ
حلمْتَ بنهرٍ
إذا لمستْهُ الأصابعُ
أو شربتْ ماءَهُ أعينُ الحاقدينَ
استعادتْ براءتَها
ونقاءَ سريرتِها..
أينَ نحنُ منَ النهرِ؟
في أيِّ قلبٍ
أخبّئُ أحلامَكَ المورقاتِ
وأكشفُ عنْ ظمئي،
وعلى الأرضِ (قابيلُ)
يقتلُنا،
ويطاردُ أرواحَنا
بامتدادِ الزَّمانِ اللَّعينْ؟

- 9 -
آهِ يا صاحبي
لم أجئْ لوداعِكَ
أو لمديحِ خصالِكَ،
لكنني جئتُ أبكي المحبّةَ
والشعرَ..
لَمّا رحلْتَ تخثَّرَتِ الكلماتُ،
تبدَّلَ ماءُ الحروفِ
وفاضَ دماً،
وكعادتِهِ - حينَ يحزنُ -
أخفى انكساراتِهِ الشعرُ
وارى عيونَ قصائدِهِ،
في جفونِ الملائكةِ النائحينْ!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى