[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

الغياب في ملكوت الكلمات

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - الغياب في ملكوت الكلمات

- 1 -
منذُ عامٍ
وأنتَ تهيِّئُ روحَكَ للعرسِ
للموتِ،
تخرجُ منْ غرفةٍ للحياةِ
إلى غرفةٍ للوفاةِ،
ويهطلُ كالمطرِ الموتُ
تشربُ منْ مائِهِ
وتغادرُنا..
يتعبُ الجسدُ المتهالكُ
لا الرُّوحُ
تنكسرُ الشَّمعداناتُ لا الضوءُ،
يا صاحبي أنتَ في النعشِ
أجملُ منكَ على العرشِ،
في جنّةِ اللهِ
في ملكوتِ المحبّةِ
في صلواتِ الندى.
أنتَ أجملُ يا صاحبي
منْ جميعِ البشرْ.

- 2 -
تتعرَّى الرُّوحُ
والقلبُ
ويغدو الجسدُ المورقُ
شفّافاً أمامَ الموتِ..
لا تسألُني..
أينَ اختفى الشعرُ
ولا أينَ انطوتْ ذاكرةٌ مترعةٌ
بالشوقِ،
أينَ الجسدُ المورقُ
يا شاعرَ أهلْ العشقِ،
أينَ الكلماتُ الباذخاتُ الضوءِ،
أينَ الفتنةُ السّمراءُ
والشقراءُ،
أينَ الألقُ الصاعدُ منْ ديوانِ شعرٍ
حالمٍ كالغيمِ
شفّافٍ كأوراقِ النجومْ؟

- 3 -
منَ الشعرِ جئتَ..
إلى الشعرِ تمضي،
كأنَّكَ في ملكوتِ الكلامِ الجميلِ
نشأتَ،
وفي ملكوتُ الكلامِ تموتُ،
كأنَّ الكلامَ رفيقُكَ
والمفرداتُ غطاءُ السريرِ الذي يحتويكَ
غطاءُ المكانِ الذي يتحدّاكَ
فاصعدْ أخيراً إلى سدرةِ المنتهى
والتقطْ ما تشاءُ
منَ المفرداتِ الطّريّةِ
والهمساتِ النّديّةِ،
واكتبْ كما شئتَ
باسمِ الهوى والعدالةِ،
باسمِ النجومِ التي لا نراها
وباسمِ الزَّمانِ الذي عشتَ تحلمُ
حتى تراهْ.

- 4 -
يا صحابَ الأمسِ
لا تقتربوا منْ بابِهِ،
ما زالَ مفتوناً بما يغشاهُ
في عالمِهِ العلويِّ منْ فاكهةِ الضوءِ،
وفي مثواهُ يستقبلُ أزواجاً
وأفواجاً منَ الحُورِ
منَ الأصحابِ..
لا تقتربوا ما زالَ ظمآنَ
إلى صبحٍ بريءِ الضوءِ
عذبِ الشمسِ
في حفلٍ منَ الأملاكِ
في فيضٍ منَ الدَّهشةِ والنَّشوةِ،
مهلْاً..
إنّه ما زالَ مغموراً بوَهْجِ الحُلْمِ
مشتاقاً إلى الخُلْدِ المقيمْ.

- 5 -
حزنهُ باذخٌ
ورصينٌ
إذا ما ارتداهُ توهّجَتِ الكلماتُ
وأورقَ ضوءُ الفصولِ بعينيهِ،
وامتدَّ جسرٌ
منَ الحكمةِ المتألِّقةِ الصوتِ
في ليلِ أشجانِهِ..
هلْ هوَ الحزنُ
مَنْ أوجدَ الماءَ في الكلماتِ
وأرخى جدائلَهُ فوقَ جرحِ السنينْ،
أمْ هوَ العشقُ؟
يا شاعرَ الكلماتِ اللَّذيذةِ
هلْ تكتبُ الآنَ للحُوْرِ
أغنيةً،
أم تداعبُ نارَ الطبيعةِ
في جنّةِ اللهِ،
حيثُ الأمانُ منَ النفسِ
حيثُ الأمانُ منَ الآخرينْ؟!

- 6 -
يتحدّى الشّمسَ بالشّمسِ
ويغري النارَ بالنارِ،
ويمضي في دروبِ العشقِ
مختالاً،
ولا أثوابَ إلاّ الكلماتِ الخضرَ
لا سلطانَ إلاّ صولجانَ الحبِّ،
منْ يقطفُ ألحانَ الهوى
بعدَ غيابِ الفارسِ المفتونِ
بالدّنيا
وبالترحالِ؟
منْ يُصغي لحزنِ الأرضِ؟
لا أحلامَ بعدَ اليومِ
لا أسفارَ بعدَ اليومِ
لا أشعارَ تُغري الرُّوحَ.. يا خضرَ الغيومْ.

- 7 -
هلْ قتلناكَ يا آخرَ الشعراءِ العظامْ،
أم هوَ الخوفُ يقتلُ أيّامَنا
وقصائدَنا،
فتموتُ الأغاني الجميلةُ
في القلبِ
تصدأُ أرواحُنا في الصدورِ
ونتركُهم،
نتركُ الشعراءَ يموتونَ في غربةٍ
لا أنيسَ بها.

وحدَهُ الخوفُ
يسلبُ إحساسَنا بالجمالِ
وإحساسَنا بالحياةِ،
يصادرُ أحلامَنا وفضائلَنا،
ويكوِّرُ في كفنٍ قاتمٍ
كلَّ معنىً عظيمْ.

- 8 -
قلْ أتى الموتُ
وجاءَ الفرحُ الخالدُ
لا أحزانَ
لا أوجاعَ،
نامي يا عظامَ الخوفِ
في صدرٍ حنونْ..
هلْ عرفتَِ القبرَ منْ قبلُ؟
وهلْ سافرْتَ في الأكفانِ؟
منْ يقرأُ للسلطانِ أشواقي إلى الموتِ
ومنْ يُنْبِئُهُ أني حزينْ؟
حينَ لا يحملُني الموتُ بعيداً عنهُ،
عنْ (أزلامِهِ)
عنْ (جُوقةِ) الإفكِ الأثيمْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى