[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

ميراث مبتلّ بالدَّم والهذيان

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - ميراث مبتلّ بالدَّم والهذيان

منْ قبلِ أنْ يرسمَ ظلَّهُ
على أديمِ الأرضِ،
قبلِ أنْ يصيرَ سيّدَ الأشياءِ
في الزَّمانِ
سيّدَ الأشياءِ في المكانِ،
كانَ شجراً،
وكانَ طيراً مورقاً
مستأنساً بالبحرِ
والفضاءْ
قبلَ مجيئِهِ كانتْ نوافذُ السماءِ
صفحةً موصدةً
ولم يكنْ هناكَ عسلٌ ولا لوزٌ،
وكانتِ الأيّامُ غُفْلاً
والأسابيعُ بلا أسماءْ.
هلْ يستعيدُ وجهَهُ القديمَ
صوتَهُ القديمَ؟
حينَ يختلي لحزنِهِ
ويخلعُ الضلوعَ خارجاً منْ جلدِهِ
وشكلِهِ،
ساعةَ يرتدي أحزانَهُ
يفرُّ منْ أعضائِهِ
مستنجداً بما في الحرفِ
منْ ظلٍّ ومنْ ضياءْ؟

* * *
أيَّ ملاكٍ كانَ؟
أيَّ عشبٍ كانْ؟
تمضي به فصولُ الوقتِ
لا يدري..
أأطلعَ الربيعُ الياسمينَ
أم أتى الشتاءُ نازلاً
منْ ورقِ الخريفْ؟
ها هوَ ذا يطلقُ جسمَهُ
في زحمةٍ منَ الإشاراتِ
وفوقَ ضوءٍ يابسٍ،
ها هوَ ذا يقلِّبُ الرُّوحَ
على جمرٍ منَ الخوفِ
وشهوةٍ أصْلَدَ منْ صخرٍ
بلا أجفانْ.

* * *
حينَ أتى إلى الأرضِ وحيداً
موثقَ الأعضاءِ
مطلقَ الحواسِ،
كانَ جسداً ممغنطاً
وموصولاً بكلِّ ما على الأرضِ،
ولم تكنْ فاحشةُ الخوفِ
التي يرفضُها
قد خرجتْ منْ غارِها،
لم تكنِ المدائنُ
المصقولةُ الوجوهِ
قد أتتْ،
وكانتِ اللُّغاتُ بيضاءَ
ولا تضاريسَ لها،
كانَ الطريقُ ناعماً..
ولا أقدامَ للإنسانِ غيرُ قدميهِ،
والفضاءُ كانَ للطيورِ
وأديمُ الأرضِ للنَّباتِ والأحياءْ،
وكانَ ضوءُ الشّمسِ لا يُحَدُّ
والنجومُ تملأُ السَّماءَ فرحاً
وألقاً،
وتزرعُ اللَّيلَ غناءً صافياً كالصبحِ
رقصاً عارياً كالحُلْمِ..
والآنَ انطوى،
توارى خلفَ وَهْمِ الآنْ.

* * *
هلْ يستطيعُ البحرُ
أنْ يعيدَهُ ليومِهِ الصِّفْرِ،
للحظةٍ خاليةٍ منَ الأوراقِ
والتقاويمِ؟
وهلْ يملكُ هذا الجسدُ العاثرُ
أنْ يطيرَ خارجَ العظامِ
خارجَ اللُّغاتِ،
يتّقي دخانَ القاطراتِ؟
هلْ... ؟
ولم يعدْ يرى شيئاً ولا يريدُ،
احتشدَتْ منْ حولِهِ الخرائطُ السُّودُ
الأفاعي السُّودُ
صارَ رَقَماً في حفلةٍ تنكُّريّةٍ
للرُّوحِ
والأبدانْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى