[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

قصائد لزمن الطفولة

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - قصائد لزمن الطفولة

- 1 -
منْ هنا،
منْ ليالي الكهولةِ والخوفِ،
ترحلُ أيّامُنا غيرَ آسفةٍ
نحوَ عشبِ الطفولةِ،
باحِثةً عنْ قناديلَ منْ فضّةٍ
وأباريقَ منْ ذهبٍ،
عنْ بقايا أغانٍ مبعثرَةٍ
في رصيفِ الزَّمانِ القديمِ،
وعنْ حفنةٍ منْ أساطيرَ
غارقةٍ في جِرارِ السنينْ.

- 2 -
حنينٌ لغيمِ الطفولةِ
يملأُني
ويكثِّفُ عمراً منَ الكلماتِ،
وعمراً منَ الحزنِ
والرَّغباتِ النَديّةِ،
والسَّقَطاتِ البريئةِ..
يا صاحبي قفْ قليلاً
وهيّا نعودُ لأيّامِنا
الغافياتِ
على شاطئِ الزمنِ البِكْرِ،
أيّامَ تلكَ الظلالِ الجميلةِ
أيّامَ تلكَ العيونِ الخجولةِ،
أيّامَ لا نرتدي غيرَ ثوبِ البراءةِ
أيّامَ نستخدمُ اللُّغةَ الصامتةْ.

- 3 -
كلّما حاولَ الحزنُ نسيانَ
أوديةِ الأمسِ،
أو أمعنَ اليأسُ في محوِ آثارِها
غَطَسَ القلبُ في ماءِ نهرِ
التذكّرِ،
واقتادَ منْ شاطئِ النهرِ
بيتاً أليفاً،
قرىً تتناثرُ فوقَ التلالِ،
وبعضَ رفاقِ الصِّبا
في ثيابٍ مهلْهلْةٍ
وأساريرَ ضاحكةٍ
وهوىً شاحبٍ،
كيفَ نمضي إليهم؟
وكيفَ نعودُ إلى زمنٍ لا يعودْ؟

- 4 -
هلْ ترى العينُ مشهدَهم
ساعةَ الوصلِ،
حينَ تودِّعُهم في الصباحِ المنازلُ
عاشقةً ضوءَ أقدامِهم،
وتظلُّ تراهم بعينينِ حانيتينِ
إلى أنْ يغيبوا،
وتبقى تتابعُ وَقْعَ خطاهم
إلى أنْ تغيبَ،
وتلتهمَ الطرقاتُ الصدى
والأحاديثَ..
أيتها الشّمسُ رِفْقاً بهم
أيها الظِّلُّ رِفْقاً بهم
منْ غبارِ الطريقِ القديمِ
ومنْ عبثِ الرِّيحِ
والعاصفةْ.

- 5 -
في المدارسِ تقرأُهم
وتداعبُهم نافراتُ الحروفِ،
وكالشَّجراتِ الصغيراتِ
تنمو أصابعُهم،
وتكونُ لهم صبواتٌ
وتورقُ أصواتُهم؛
يذهبونَ ويأتونَ،
لا يلحظونَ التغيُّرَ في الشمسِ
لا يلحظونَ التغيُّرَ في الأرضِ
لا يلحظونَ التغيُّرَ
في الأمكنةْ.

- 6 -
خذيني إليهم - يقولُ الحمامُ الأليفُ،
تقولُ النوافذُ -
أصواتُهم في الشِّغافِ
وأطيافُهم كغيومٍ على الأفْقِ
شاردةٌ،
كلّما صعدَ الوقتُ
أرخى الحنينُ ستائرَهُ،
وارتمى قمرٌ مستديرٌ هوَ الشوقُ
يغمرُ آثارَهم بنثارٍ منَ القبلاتِ،
وفي دفترِ اليومِ
يكتبُ أشجانَهُ
وصلاةً مضمَّخَةً بالأماني
الجميلةْ.

- 7 -
في المساءِ يعودونَ
تسبقُهم نارُ ألواحِهم،
وتضاءُ المنازلُ
والطرقاتُ بأصواتِهم
ويعودُ إلى الغرفِ الضوءُ
والدفءُ..
يا أيها اللَّيلُ خَفِّفْ منَ الظُّلماتِ،
فأبناؤُنا يقرأونَ كتابَ المساءِ
وتحلمُ أجفانُهم بكتابٍ
منَ الصبحِ،
كنْ مشفقاً
وحنوناً بهم أيها اللَّيلُ
وافتحْ على الأرضِ سقفَ
النجومْ.

- 8 -
يطيرونَ منْ غيرِ أجنحةٍ
يضحكونَ بلا سببٍ،
يفتحونَ الشبابيكَ أو يغلقونَ الشبابيكَ،
لا يحفلونَ بما خبَّأَ الغيبُ،
لا يحفلونَ بما حملتْهُ الرِّياحُ..
على راحةِ الأمِّ يلقونَ أجسادَهم
وينامونَ جوعى؛
إذا ما خلتْ سلّةُ البيتِ
منْ خبزِها القرويِّ،
وأقفرَ حقلُ الشتاءِ فلا خوخَ
في صدرِهِ أو عنبْ.

- 9 -
لم يكنْ زمناً
كانَ طيفاً لذيذَ الهوى،
كانَ نهراً منَ الحُلْمِ
فيهِ تساوى الشتاءُ وأشواكُهُ
بالرَّبيعِ وأوراقِهِ،
لا مكانَ لحزنٍ
ولا قلقٍ،
إنها الغبطةُ المستديمةُ،
وَهْوَ الرِّضا المتألِّقُ في الوجهِ
والكلماتِ
ارتعاشُ التوحُّدِ بالناسِ
والأرضِ في زهوِها
وبأشيائِها الخالداتْ.

- 10 -
واحةٌ منْ عصافيرَ
لا ترتوي منْ غناءِ الطفولةِ
لا ترتوي منْ شفافيّةِ الوقتِ،
منْ نزقٍ أخضرٍ كعبيرِ الحدائقِ،
منْ صرخةٍ عذبةٍ
كندىً يتجولُ بين فَراشِ الضُّحَى،
ليتَها بعدَهُ أغلقَتْ صفحةَ العمرِ
أو أنها وهبتْ ما تبقّى
منَ الكأسِ للبحرِ
للوردِ
للكلماتِ،
فقد حملَ الرُّوحُ
مذْ رحلَ الزمنُ الطفلُ
ما كانَ يُخشى،
وما لا يُطاقْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى