[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

الشمس لا تمرُّ بغرناطة إلى العمال والفلاحين في شمال الوطن

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - الشمس لا تمرُّ بغرناطة إلى العمال والفلاحين في شمال الوطن

منْ يبكي في الظُلْمَةِ؟
منْ يتحسَّسُ جُثَّتَها خلفَ جدارِ اللَّيلْ؟
لا يدري آخرُ شيخٍ وَدَّعَها
منذُ متى والشرقُ يقيمُ ب (غرناطةَ)
مأتَمَهُ اللَّيليَّ الأبكمْ.
يتعذَّبُ،
ينثرُ فوقَ قبورِ الموتى دمعَ الشوقِ
إلى مُهْرَتِهِ المفقودةِ..
كانتْ في لونِ الصبحِ جمالاً،
يُسْرِجُها في الفَجْرِ
يطيرُ بها،
تركضُ فوقَ المدنِ النَّعْسانةِ..
تستيقظُ،
تغسلُ وجهَ الأرضِ بعينيها الدّافئتينْ،
تتمرجحُ خلفَ ضفائرِها سُحُبُ القريةِ،
تمشي.. تتحرَّكُ،
يجري تحتَ حوافرِها نهرُ العَرَقِ
الأسيانُ،
تسيرُ بِهِ سفنُ العُمّالِ المكدودينْ..
يبنونَ قصوراً وجسوراً للمالْ،
يشربُهُ،
يشربُهم في علبِ اللَّيلِ كبارُ الملاّكْ!
وتنامُ جياعاً أطفالُ العُمّالْ!
المهْرَةُ تركضُ نافرةً،
تتراجعُ..
تقطعُ رحلتَها نحوَ الشرقِ، تصيحُ:
لماذا يا مدناً نائمةً عَجْفاءْ.
منْ لا يعملُ يأكلُ فاكهةَ الشمسِ
ويشربُ كأسَ الأرضِ،
ومنْ يعملُ لا يجدُ الكِسْرَةَ
لا يجدُ الماءْ؟!

* * *
كانتْ تضحكْ،
تتمهَّلُ وَهْيَ تسيرُ على حقلِ الحنطةِ،
تنضجُهُ عيناها..
عيناها الموقدَتانْ،
تنتظرُ الفلاّحينَ الجوعى
حينَ يعودونَ بِهِ نحوَ موائدِهم خبزاً،
ثمَّ تعودُ لتبكيَ حينَ ترى السّادةَ
يستولونَ على الحنطةِ
والأرضِ معاً!
لا شيءَ يسيرُ إلى الأكواخْ
غيرُ الدَّمْعةِ، لا شَيْءْ.
تغضبُ..
تَشْهَرُ سيفَ النارِ عليهم
ينجحرُ السّادةُ خلفَ قصورِ الرُّعْبْ،
عنهم.. يتقدَّمُ جيشُ الجوعى لملاقاةِ النارْ،
تتراجعُ.. تُخْفي نارَ السَّيْفِ
السَّيْفُ يصيرُ سؤالاً يتمدَّدُ فوقَ الأرضِ
وفوقَ البَحْرْ.
ما يُبْقي هذا الخيطَ - القبرَ الواهنْ
الجائعُ يحرسُ قَصْرَ المتْخَمْ،
المأسورُ يدافعُ عنْ ظِلِّ القَيْدْ؟!
يا للمهزلةِ البَشَرِيَّةْ!

* * *
منْ يبكي في الظُّلْمَةِ؟
منْ يتحسَّسُ جُثَّتَها خلفَ جدارِ اللَّيْلْ؟
(غرناطةُ) لا شمسَ لها..
مطفأةٌ كلُّ قناديلِ اللَّيْلْ.
فمتى يلمعُ في الأفقِ المعتمِ نجمٌ
يتحدَّى،
يتحوَّلُ شمساً..
قمراً؟
كلُّ الأقمارِ احترقَتْ في الرِّحْلَةْ..
الدَّرْبُ رمادٌ.
فانطلقي يا مُهْرَتَنا
انطلقي،
يوشكُ أنْ يدهَمَنا ليلُ اللِّيلِ الآخَرِ،
يُسْلِمَنا السجنُ إلى السجنِ،
تعودُ عقاربُ ساعتِنا للخَلْفْ!
يا مُهْرَتَنا انطلقي..
انطلقي.

أوَّل مايو 1974م

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى