[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

من حَوْليّات يوسف في السجن

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - من حَوْليّات يوسف في السجن

1967
حينَما ابْتاعَني الحزنُ منْ وطني،
واشترى وجهيَ الخوفُ،
كانتْ بلادي تسافرُ في القحطِ،
تنتظرُ المطرَ الخبزَ..
لستُ الوحيدَ الذي باعَهُ أهلُهُ
بدراهمَ معدودةٍ،
كم فتىً باعَهُ أهلُهُ برغيفٍ،
وكم منْ فتاةٍ بحفنةِ قَمْحٍ..
تسلَّمَها المشترونَ
وغابوا معَ اللَّيلِ بعدَ رحيلِ النهارْ.

1968
حينَ جاءتْ إلى الجُبِّ قافلةٌ
ومنَ الجُبِّ أنقذَني أهلُها،
ورأيتُ السماءَ
ضَحِكْتُ..
كأنِّيَ منْ رَحِمِ الأرضِ جئتُ،
وها أنا ذا الآنَ في الجُبِّ
في رَحِمِ الرُّعْبِ،
أصرخُ في وحدتي:
- ليتَهُم تركوني هنالكَ في الجُبِّ
يشربُني ماؤُهُ،
ترتديني الطَّحالبُ،
والعشبُ يأكلُني،
والصَّدَى المتوحِّشُ يشرخُني،
تتسلَّقُ وجهي
جموعُ العناكبِ،
تنسجُ حولَ فمي بيتَها،
وتقيمُ على أرضِ عيني المطارْ.

1969
آهِ بينَ الجبالِ المحاطةِ بالموتِ
واللَّيلِ،
ترقدُ (صنعاءُ) فاتنتي،
يستبيحُ الغزاةُ ملامِحَها؛
و (العزيزُ) يداعبُ قِطَّتَهُ في هوانٍ
ويحصي (الرِّيالاتِ)
يخفي المفاتيحَ خلفَ سراويلِهِ،
والجياعُ يبيتونَ منْ حولِ قَصْرِ (العزيزِ)
عُراةً
يصلُّونَ،
ينتظرونَ سُدَىً،
يطبخونَ قدورَ التَّواكلِ
والانتظارْ.

1970
لم تكنْ قريتي قبلَ مصرعِها،
لِتُصَدِّقَ أنَّ (العزيزَ) خَصِيٌّ،
يتاجرُ في عرضِ أبنائِها
و (العزيزةَ) في القَصْرِ
تنهشُ في عرضِهِ وتتاجرُ،
تزني بأولادِهِ.. واحداً
واحداً،
وبأحفادِهِ،
بالعساكرِ،
بالغرباءِ.. المقيمينَ
والعابرينَ،
وكانَ يراها يؤرِّقُهُ فِعْلُها
فَيَصُبُّ مخاوفَهُ وانكساراتِهِ
فوقَ أضلاعِنا لهباً وسياطاً،
وأجهزةُ الانتقامِ تصادرُنا
وتوزِّعُ أكبادَنا
وجماجِمَنا للدَّخيلْ.

1971
- نحنُ في السجنِ
أرواحُنا في الزَّنازن،
- لا تبتئسْ..
لستَ وَحْدَكَ في السجنِ،
كلُّ الحدائقِ
والشجرِ البِكْرِ في السجنِ،
والشمسُ في السجنِ،
حتى الطيورُ التي عَبَرَتْ أُفْقَنا
أصبحَتْ مثلَنا في القيودِ سجينةْ..
هكذا كانَ يهمسُ لي
في البطاقةِ صوتُ الصديقِ
الذي ظَلَّ يحملُ وجهي، وصوتي
وكانَ له ظِلُّ عينيَّ،
شَوْقُهما للنَّهاراتِ والمستحيلْ.

1972
حينَ كانَ الحديدُ يَعَضُّ يدي
يتورَّمُ في قدمي،
كنتُ أعلو بِهِ،
أتسامقُ مئذنةً للصمودِ
وساريةً للإنارة..
لكنَّ مئذنتي انكفأَتْ،
والسَّوارِيُّ جَفَّتْ مشاعلُها،
والسِّنُونَ اسْتطالتْ بنا..
مَنْ مِنَ القبرِ يحملُني للحقولِ البعيدةِ
يُرْجِعُني؟
طائري يعشقُ الفَجْرَ،
يهوى الحياةَ طليقاً،
ويكرَهُ وجهَ جدارِ الظلامِ..
تعذِّبُني لحظةُ الانطفاءِ،
تعذبِّنُي ساعةُ الارتحالْ.

1973م
حَصْحَصَ الحقُّ،
هل تستطيعُ القيودُ على شفتي
أنْ تبلِّغَها أنني قد قبلْتُ الشُّروطَ..
منَ الآنَ
سوفَ أراودُها أنا عنْ نفسِها،
وأشقُّ القميصَ
بأنفاسيَ الدّامياتِ الأظافرِ،
أعرفُ أنَّ محاسنَها ذَبُلَتْ
والغضونَ تحاصرُها،
يقضمُ الدُّودُ أثداءَها..
شفتي تتوقَّى العجائزَ،
لكنّها السَّنَواتُ العجافُ - هنا -
عَلَّمَتْني بألاّ أرُدَّ لراغبةٍ ظَهْرَ وُدّي؛
لأسلخَ منْ ظلماتِ الزَّنازنِ روحي،
وأنتشلَ الجسمَ منْ قسوةِ الاغتيالْ.

1973م

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى