[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

مواجيد ليليّة

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - مواجيد ليليّة

- 1 -
في ساعاتِ اللَّيلِ الأولى
حينَ تصيرُ الشمسُ طعاماً للبحرِ
وللحيتانْ،
يتخضَّبُ وجهُ الغربِ دماً،
يستلقي ظِلّي في رعبٍ داخلَ نفسي
تتحسَّسُ قدماهُ العاريتانِ طريقاً ليليّاً
يتساءلُ: هل ستعودُ الشَّمْسْ،
هذا الضوءُ المذبوحُ على الأفُقِ الغربي،
هل يرجعُ؟
هل صاحبةُ الشَّعْرِ الذَّهَبي
يوماً ترجعُ؟
أعطي وجهي للرِّيحِ
وساقي للأحزانْ،
وأمصمْصُ أشجاني المنبوذةَ في صمتٍ
مكبوتٍ،
يا لَلسّاعاتِ الأولى منْ موتي،
منْ زمنِ اللَّيْلْ.

- 2 -
منْ يقتلني؟
أيُّ شفاهٍ تشفطُ،
ما أبقى عامُ الخوفِ
وعامُ الجَدْبِ
على شرياني النّازفِ،
منْ قَطَراتِ الدَّمِّ المحترقَةْ؟
هذا سيفَ الغربةْ
يتوغَّلُ في العُمْقِ،
يفتِّشُ داخلَ جدرانِ الجسدِ الذّاوي
عنْ آخرِ أنهارِ الدَّمْعْ
عنْ آخرِ أوديةِ الفرحِ المذبوحْ..
أرحلُ خلفَ جنازتِها الحمراءْ
ترحلُ ذاكرتي خلفَ رحيلي..
في المقهى
يتسلَّقُ أصحابي أشجارَ البيرَةِ،
يَتَّكِئُونَ على حَبِبِ الكأسِ
على لونِ دخانِ السِّيْجارْ.
ذاكرتي لا تغفو
يتنكَّرُ لي الأصحابُ - المقهى،
أتسلَّقُ أشجارَ عذابي / أعصابي المكدودَةَ،
يتَّكِئُ القلبُ على وجهِ الحُزْنْ،
أتمدَّدُ تحتَ رصيفِ الشّارعِ
مكشوفَ الخوفْ
عاري القَدَمَينْ،
أخفي وجهي
خشيةَ أنْ تعرفَني أشجارُ اللَّيلِ
المزدحِمَةْ،
أشجارٌ تلدُ الأوراقَ الذّابلةَ الخرساءْ،
أشجارٌ لا تورِقْ،
تتمدَّدُ في الأحشاءْ.
والشّارعُ مقلوبُ الوجهِ كما كانَ
كما سيكونْ.
وبقايا ذاكرتي تتحسَّسُ صورتَها
تحتَ الأقدامْ،
ورفاقي في المقهى
فوقَ رؤوسِ الأشجارِ
على شُرُفاتِ مداخنِ قَصْرِ اللَّيْلْ.

- 3 -
المرفأُ خالٍ..
قاتمةٌ أمواجُ اللَّيْلْ
قاربُ صوتي مهجورْ
قنديلُ العودةِ - في وجهي - مكسورْ
يا ذاتَ العينِ (السَّبَئِيَّةْ)،
أتوارى - منتظراً - في ظِلِّ الماءْ؛
مُدّي جِسْراً بجديلتِكِ الخضراءْ
فوقَ ضلوعِ البحرِ الأحمرْ،
صوتي مبتلُّ الكلماتِ
وروحي طافيةٌ في الشَّطِّ الآخرْ،
فانْتَشِلِيْني..
انْتَشِلي صوتي
روحي،
ضُمّي حزني، فرحي
وجهي
كي لا أطفو كالقَشَّةِ فوقَ رمادِ الماءْ.

1972 م

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى