[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

من يوميّات.. سيف بن ذي يزن في بلاد الرُّوم

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - من يوميّات.. سيف بن ذي يزن في بلاد الرُّوم

معابدُ القمرْ
في (مأربَ) الحزينْ
حملْتُها معي تحتَ الجفونِ
في السَّفَرْ
نقشْتُ رَسْمَها على الجبينْ
وفي البصرْ.

* * *
بكى رفيقُ رحلتي
حينَ ارتمتْ على العيونِ (أنقَرَةْ)
أنكرَ وجهَيْنا الطريقُ،
والرَّفيقُ أنكرَهْ.
ذكرتُ ثورةَ (الضِّلِّيْلْ ([1]))
حينَ بكى الدَّليلْ
قلتُ له: لا تَبْكِ يا رفيقَ دربيَ الطويلْ
لا تَبْكِ إنّنا نحاولُ التَّحْريرْ
لا نبتغي مُلْكاً ولا سريرْ..
فإنْ وصلْنا تلكَ غايةُ التَّطْوافْ،
ما لم...
تكنْ دموعُنا قد زرعَتْ على الطريقِ
شَجَرَةْ
ألقَتْ على بحيرةِ الصمتِ العقيمِ
دمعةً منكسرةْ،
واحترقَتْ بحثاً عنِ المجدافْ
لتبتدي أجيالُنا غداً،
رحلتَها إلى جبالِ (قافْ).

(الثلاثاء 9 نوفمبر 557م)

في هذه المدينةْ
أنا حزينْ
ألا تحسُّ قريتي بأنّها معي حزينةْ؟

* * *
ينهشُ عيني.. يستفزُّها الضَّبابْ
يمضغُني العذابْ
تقرعُ أحزاني جدارَ الصمتِ،
تُنْشِبُ الأظفارَ في الأبوابْ
تسألُ عنْ تحيَّةٍ.. خطابْ
تحملُهُ الرِّياحُ منْ منازلِ الأحبابْ
تقولُ لي رفيقَتي روميّةُ العينينِ:
- ما الذي تريدْ؟
- أريدُ أنْ يكونَ لي قبرٌ هناكَ
عندَ نخلةٍ يظلُّها الجريدْ
أدفنُ في رمالِهِ التَّشْريدْ،
أريدُ ثورةً تغسلُ عنْ حبيبتي (صنعا)
مهانةَ العبيدْ.
أكرهُ أنْ أموتَ مبعداً
أكرهُ أنْ أرى البلادْ..
الأرضَ والنساءَ والأولادْ
يستمنحونَ رحمةَ الجلاّدْ.
أكرهُ أنْ أرى جنودَ (أبرهةْ)
تسيرُ في (غَمْدانْ)،
تقرعُ في الرُّدْهاتِ
في المقاصيرِ طبولَها
وتوقدُ النِّيرانْ
تبولُ في حيطانِهِ الممَوَّهَةْ.
بكتْ رفيقَتي
لكنَّ صاحبَ الجلالةِ السُّلْطانْ
قيصرَ أرضِ الرُّوْمْ،
لا يستطيبُ دَمْعَها
ولا يرى صراخيَ المكتومْ
يمسكُني عنِ التَّحليقْ
يَسُدُّ منْ أماميَ الطريقْ
يطلقُ حولَ سِجْنيَ الذِّئابْ
ويوصدُ الأبوابْ.
سئمْتُ وَحْدَتي
قرأْتُ في سجونِهِ
ما حفرَتْ دموعُ النّازحِ (الضِّلِّيْلِ)
منْ أشعارْ،
بكيتُ للصَّحْراءِ
للخيامْ
ناجيتُ جارتي غريبةَ الدِّيارْ
شربتُ خمرةً عتيقةَ الشجونِ
والآلامْ
ولم أزل في الأسْرِ
لا وجهي ملكتُهُ
ولا الكلامْ
غرقْتُ، ضِعْتُ في الزِّحامْ.

(الاثنين 9 ديسمبر 557م)

أنا شريدْ
خواطري على سفوحِ قريتي شريدةْ
هل تعلمُ السفوحُ أنَّ دمعتي تكسَّرَتْ
على صخورِها قصيدةْ؟

* * *
ألمحُ صنعاءَ..
يَمُرُّ طيفُ (مأربٍ) على القمرْ
ألمحُ في النجومِ أطيافَ النِّساءِ باكياتٍ،
ألمحُ الشَّجَرْ
بلا ثَمَرْ
ألمحُ وجهَ (أسودٍ) دميمْ
يغتصبُ ابنتي
يَنْزِعُ عنْ جبينِها الصغيرِ هالةَ الشَّعَرْ
أسمعُ صوتَهُ اللَّئيمْ
يحفرُ لاهياً على ظهورِ أهلِنا
مهزلةَ القَدَرْ
وكلَّ ليلةٍ على سماءِ أرضِ الرُّوْمْ
أقرأُ حينَ ترحلُ الغيومْ
حكايةَ الرِّجالِ
والمقاوَمَةْ،
حكايةَ الذينَ يَجْدِلُونَ منْ دمائِهم
حبالَ الموتِ للأعداءْ
حكايةَ الذينَ يرفضونَ العارْ
ولا يطيقونَ الرُّضوخَ
والمساوَمَةْ
منَ الجماجمِ النَّبيلةِ السَّمْراءْ
يواصلونَ البذلَ والعطاءْ.
اللهَ ما أكرمَهم..
ما أكرمَ المماتَ
والبقاءْ
ما أكرمَ الدِّماءْ.
الجُزُرُ السَّبْعُ عَبَرْتُها
والسَّبْعَةُ البحورْ
كلُّ سفائني تحطَّمَتْ
واغتالتِ الأمواجُ سيفيَ المسحورْ.

* * *
أينَ ينامُ مثخنَ الجفونِ
سيفُ (آصفِ بْنِ بَرْخِيا ([2])) ؟
أينَ تنامُ (عاقِصَةْ ([3])) ؟
أينَ اختفى.. في أيِّ قُمْقُمٍ
ثوى (عَيْرُوطْ ([4])) ؟
الأفْقُ غامَ
والدُّرُوبُ عابسةْ
و (النَّفَقُ ([5])) الرَّهيبُ لم يزلْ يمتدُّ..
حتى حُلْمِنا الصعودِ
والهبوطْ
أنشبَ مخلبَ السُّهادِ في عيونِنا
الكابوسْ
على حدائقِ الظلامِ
أشجارِ الدِّماءِ تنبتُ الرُّؤُوسْ
ولم تزلْ بعيدةً كالفَجْرِ (منيةُ النُّفُوسْ ([6]))
حفرْتُ نحوَها جبالَ الملحِ والقصديرْ
وكالضريرْ
وقفْتُ حائرَ الخطى
يسحقُني الوقوفُ،
أرهبُ المسيرْ،
متى..
وأينَ يا مدينتي أواجهُ المصيرْ؟!

(19 مايو 557م)

([1]) إشارة إلى رحلة الشاعر امرئ القيس.
([2]) السيف المسحور الذي كان يستخدمه (سيف) في السيرة الشعبية.
([3]) أخت سيف من أمٍّ جنية (السيرة الشعبية).
([4]) عيروط أو عيروض: خادم من الجان لسيف (السيرة الشعبية).
(([5] نفق الدَّم والدخان (السيرة الشعبية).
([6]) محبوبة سيف (السيرة الشعبية).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى