[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

محاولة للكتابة بدم الخوارج

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - محاولة للكتابة بدم الخوارج

(بعدَ الرَّضْعَةِ الأولى والأخيرةِ، احتضَنَ الطفلُ، بشفتيهِ النّاريَّتَينِ الثَّدْيَ الجافَّ، وخرجَ منْ قميصِ أمِّهِ إلى الشّارعْ).

· منْ رمادِ الخوارجِ يخرجُ طفلي
تُحدِّثُني - وَهْوَ في المهدِ - عيناهُ:
- كنتُ أبي..
وَلَدَتْني منَ الرَّفْضِ نفسي
منَ الطينِ والنارِ..
مِنْ موسمِ الخوفِ جئتُ،
حملتُ حجارةَ وجهي
وسافرْتُ في الحرفِ،
سافرْتُ في الصمتِ
سافرْتُ في الموتِ،
في القيدِ سافرْتُ.
كانَ الزَّمانُ ووجهي عَدُوَّينِ
كانَ المكانُ ووجهي عَدُوَّينِ،
بينَ الزَّمانِ وظِلّي مسافةُ رفضٍ
وبينَ المكانِ وظِلّي مسافةُ رفضٍ،
وبينَ المسافةِ والرَّفْضِ،
رَفْضْ.

(استيقظَ ابنُ الفجاءةِ في كتابِ الصَّحْراءِ، وتسلَّلَ منْ ترابِ "أقولُ لها وقد طارتْ شُعاعاً"، ودخلَ تَوّاً في رأسِ المدينةِ، مُعَبَّأً بريحِ الحلمِ ونارِ الدَّهْشَةْ).

· طفليَ الخارجيُّ يغادرُني
مَلَّني،
مَلَّ رَقْصي،
وإيقاعَ صوتي.
مضى مُثْقَلاً،
منْ بعيدٍ تحدِّثُني - عَبْرَ ماءِ الظَّهيرةِ -
عيناهُ..
عنْ لونِ أشواقِهِ تتحدَّثُ
نارُ المسافةِ:
- ها هوَ ذا يرقصُ الآنَ،
في دَمِهِ البحرُ
في لَحْمِهِ الأرضُ،
في نارِ أقدامِهِ يعزفُ النهرُ أشجانَ رحلتِهِ
والشَّواطئُ..
هذي الجبالُ
الصَّحارَى بنارِ الصَّدَى تتفجَّرُ
تَرْمَحُ
تخضرُّ،
تطلعُ منْ قاعِها كائناتٌ منَ الماءِ
نَهْرٌ منَ الوردِ
نافورةٌ منْ مطارقَ
بوّابةٌ منْ عيونِ الخيولْ.

(يتوحَّدُ النهرُ بالوردِ، اللَّونُ بالرّائحةِ؛ وتصيرُ النّافورةُ مدناً، والبوّابةُ صهيلاً وشوارعْ).

· يكتبُ النهرُ أبناءَهُ
والشَّوارعُ تكتبُ أبناءَها،
منْ معاطفِها يخرجُ الأخضرُ / الماءُ
والأحمرُ / الجمرُ..
لا لم تكنْ قدمُ النهرِ مذعورةً
وَهْيَ تركضُ،
لا لم تكنْ كَبِدُ الخيلِ مذعورةً
وَهْيَ ترقصُ،
تزفرُ بالعَرَقِ المتراكمِ
باللَّهَبِ المتراكمِ،
وجهُ البحارِ يغطّي عيونَ المتاجرِ،
يطوي ثيابَ البيوتِ الأنيقةَ؛
لا يرتوي..
طفليَ الخارجيُّ - تقولُ مياهُ النخيلِ -
يغادرُ أنسجَتي
يرقصُ الآنَ في دَمِهِ
طالعاً - كانَ - منْ قاعِ بُرْدِيَّةِ الصبرِ،
لا يرتوي..
يتكاثرُ،
في عَضَلاتِ الشَّوارعِ يبكي
يغنّي:
منَ الدَّمعةِ انفلقَتْ كلماتي
منَ الصمتِ جاءتْ
منَ النَّخْلَةِ انطلقَتْ في الميادينِ شُعْلَةْ.

(تسكنُ الرِّيحُ خضرةَ النارِ، منْ عروقِها يطلعُ طفلٌ جديدٌ، يلمسُ بأصابعِهِ الرِّمالَ؛ فيشتعلُ الجفافُ مطراً.. صوتُ حمدانَ يغطّي وجهَ الأحساءِ، وفي أكفانِ صنعاءَ يمتطي جسدَ عليِّ بنِ الفَضْلْ).

· إنّها الكائناتُ الجديدةُ
والماءُ خلفَ مناقيرِها - قالَ حمدانُ -
والرِّيحُ تمضغُ صمتَ عباءتِهِ،
إنّهُ أوَّلُ النهرِ - قال عليٌّ -
وهذا قميصُ البشارةِ أعرفُهُ،
أكلَتْ قدمي - قالتِ النخلةُ -
النارُ،
قَيَّدَني في السَّواحلِ صمتُ الرِّياحِ،
أرى الموجَ..
أشتاقُ لو غسلَتْني ضفائرُهُ،
كلَّما اقتربَتْ قدمي
كلَّما عانقَ الماءُ رغبتَها،
لَفَّها ظمأُ النارِ
في معطفٍ منْ صديدِ الحصى
في رمادِ الزُّجاجِ الملوَّنِ..
مثقوبةٌ خطواتي،
الموائدُ عامرةٌ بدمي
ودمي يتسوَّلُ بينَ القُرَى.

(زعمَ الواثقُ أنَّ شجرَ العشقِ، لا يستطيعُ أنْ يكتبَ بالورودِ، على جسدِ الصَّحْراءِ، وأنَّ الشمسَ سوفَ تطوي أذرعَ البارودِ، إذا ما لَوَّحَ لها اللَّيلُ بسياطِ الدُّخانْ).

· جرحُ حمدانَ في جسدِ المدنِ
المستباحةِ،
يقرأُ في وَشْمِ أحجارِها رَقْمَ زنزانةِ الطفلِ،

رقمَ زنازنِ أشجارِهِ..
يافعاً - صارَ في نارِها - شجرُ القدسِ،
في نارِها يافعاً - لم يزلْ - شجرُ النِّيْلِ،
أشجارُ صنعاءَ يافعةٌ
والشَّوارعُ.
لا..
صوتُ أحذيةِ اللَّيلِ
لا يمنعُ الشمسَ
والشجرَ اليافعَ الظِّلَّ
أنْ تتجوَّلَ،
يخرجَ عاريةَ الصدرِ
يفتحَ للثلجِ والماءِ
تفتحَ للنهرِ والرِّيحِ
للموتِ مختبئاً في الرَّصاصاتِ
نافذةَ الجسدِ الغَضِّ..
ينشقُّ رَسْمٌ على صدرِ (حمدانَ) :
لا تحترسْ أيّها الشجرُ الطفلُ،
ذاكرةُ الدَّمِ طالعةٌ منْ رمادي،
وفي وجهِكَ الأخضرِ الطفلِ
ينهضُ وجهي،
بأحزانِهِ تحتمي جذوتي
تتواصلُ أشجارُنا
تستفيضُ الشَّوارعُ،
تكبرُ أنهارُها
تتكاثرُ،
تحتَ مطارقِها يتعبُ اللَّيلُ
في كَسْرِ جمجمتي،
يتجعَّدُ وجهُ الرَّصاصْ!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى