[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

مرثيّة أولى

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - مرثيّة أولى

للموتِ رِعْشَتُهُ ووحشتُهُ
وللموتِ البدايةُ والنِّهايةْ:
يا أيّها الموتى
اخْرُجوا منْ ثوبِ هذا العمرِ
إنَّ الموتَ منتظرٌ
وفي كَفَّيْهِ خاتمةُ الرِّوايةْ.

* * *
هل ماتَ؟! أُصْدُقْني!
فإنّكَ مَيِّتٌ،
وأنا،
وهذا..
نحنُ جئنا
منذُ جاءَ بنا إلى هذا المكانِ الموتُ،
كانوا يزعمونَ بأنّهُ طقسُ الولادةْ.

* * *
النخلُ لا يبقى
ويثمرُ دائماً في الصيفِ..
يا لَكِ نخلةً..
منْ مائِها وترابِها جئنا،
وأوقَدْنا عظامَ الأرضِ.
كنّا في القطارِ دماً،
ويشربُنا لهاثُ اللَّيلِ والقبرُ المسافرُ..
منْ ترابِ جسومِنا نَبَتَ النَّخيلُ،
ومنهُ - منْ جسدِ الترابِ - جسومُنا نَبَتَتْ
كما نبتتْ على الأشجارِ أوراقٌ
وتسقطُ عندَما يأتي..
ونسقطُ عندَما يأتي الخريفْ.

* * *

للموتِ راحتُهُ وشارتُهُ
وللموتِ النِّهايةُ والبدايةْ:
يا أيّها الأحياءُ في أكفانِهم
طوبى لعينَيْ كلِّ مقبورٍ،
شربْتُمْ كأسَ راحتِكم
ونشربُ دمعَنا،
ونتوقُ في صمتِ ارتعاشِ الخوفِ
والتعبِ المُمِضِّ،
إلى ظلالٍ لا تجفُّ و (رحمةٍ وَسِعَتْ…)،
وتشتاقُ الرَّحيلَ دماؤُنا.
هل آنَ للأبوابِ أنْ تُفْتَحْ؟.
يا أيّها الأصحابُ منْ دَمِنا ومنْ أعمارِنا
خرجتْ قوافلُكم،
ونعشٌ غارقٌ في الدَّمْعِ..
حينَ أفاقَ وجهُ العمرِ منْ هولِ البكاءِ،
دَنا
وأخبرَني عنِ الأيّامِ
عنْ ذِكْرَى صباحٍ لا يغيبُ عنِ النهارِ
وعنْ أغانٍ تشعلُ الأنهارَ
في قممِ الجبالِ.
تقولُ رائحةُ الترابِ / الأرضُ:
هذا جفنُهُ يعلو
وهذا صوتُهُ يعلو
وهذا صوتُ ماءِ الشمسِ
صوتُ الأرضِ يخرجُ منْ سنابلِ
دمعِها.
وتقولُ:
يا جيلَ الأسى المتقحِّمَ..
اتْبَعْني.

* * *
أعبدَ الله يا زمناً منَ الكلماتِ
يا نهراً منَ الأصواتِ..
كيفَ ترى العروبةَ منْ سماءِ الموتِ؟
كيفَ يرى الضَّحايا حُزْنَنا العربيَّ؟
كيفَ ترى النُّجومُ الحُلْمَ مكسوراً
ومقهوراً؟!
وهل سألَ (الشَّهيدُ) حطامَ فرحتِنا..
لماذا الشعبُ ملقىً في فراشِ الموتِ،
مصلوبٌ على خشبٍ منَ الأوهامِ،
يخرجُ منْ ظلامٍ للظَّلامِ
ومنْ قبورٍ للقبورْ...
ومنْ منفىً بلا وطنٍ
إلى وطنٍ هوَ المنفى
ومنْ حقدٍ له سببٌ
إلى حقدٍ بلا سببٍ؟
لماذا تمطرُ الأيّامُ خوفاً
والعيونُ دماً،
وتهطلُ كلَّ عامٍ في الدِّيارِ
مجاعةٌ مجنونةٌ للخوفْ؟!

* * *
يا أيّها الموتى،
لماذا تحملونَ الموتَ في أنيابِكم
وتصادرونَ الضوءَ،
تغتالونَ أشجارَ المحبّةِ والصَّداقةِ؟
وَيْحَكُمْ!
كلُّ المقابرِ منْ ضحايا موتِكم
كلُّ المعاولِ والخناجرْ.
يا أيّها الإنسانُ،
كم نعشاً حملْتَ إلى الرَّدى!
يا أيّها النَّعْشُ المسافرْ؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى