[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

حدث في النصف الثاني من اللَّيل

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - حدث في النصف الثاني من اللَّيل

- 1 -
في الخلاءِ المواجهِ للقبرِ
تجلسُ سيّدةٌ هيَ مِصْرُ،
تداعبُ أطفالَها الشُّعَراءَ
بغصنٍ منَ الكلماتِ النديّةِ،
تقرأُ وجهَ حِصانٍ يسافرُ في الحُلْمِ،
وجهَ فتىً شَقَّهُ سَفَرُ اللَّيلِ
أيقظَ في قاعِهِ حفرتَينِ بنارٍ منَ الدمعِ
محشوَّتَينِ بِرُعْبِ البَشَرْ.
فجأةً هبطَ اللَّيلُ
واختارَ مِصْرَ مقرَّ إقامتِهِ
واشتراها منَ الحاكمينَ،
أفاقَ منَ الرعبِ ماءُ الحروفِ
وَعَبْرَ محيطٍ منَ الدَّمِ هاجَرَتِ الكلماتُ..
إلى أينَ؟
يظمأُ ماءُ الكنانةِ
والشمسُ تشربُ منْ كفِّهِ
ونجومُ المجرَّةِ
والكائناتُ العِطاشْ.

- 2 -
كانَ رابعَنا
يتمنطقُ وجهَ معلَّقَةٍ
ويحاورُ وجهَ الشوارعِ،
منتعشاً، كنتُ والموتُ،
والذِّكرياتُ،
ووجهُ (صلاحَ) ؛
نتابعُ أصداءَ أغنيةٍ
أطبقَتْها العصافيرُ بعدَ العشيّةِ
نِمْنا على هَمْسِها
وارتعاشاتِها..
فجأةً أيقظَتْني دموعُ القصيدةِ،
حاصرَني صوتُها المتهدِّجُ..
تغرزُ أحرفَها في دمي
وتجاذبُني لغةَ الخوفِ.
أنهضُ منْ نوميَ المتقطِّعِ
تشطرُني
وتمدُّ أظافرَها في الهواءِ
إلى عُنُقِ اللَّيلِ،
ثمَّ تناجي النُّجومَ:
- اخْتَصِرْنَ المواعيدَ..
وانشقَّ وجهُ القَمَرْ.

كنتُ رابعَهم:
مِصْرُ، والنِّيْلُ.. والشِّعْرُ
كنّا نُطَهِّرُهُ منْ جحيمِ المعاناةِ..
نمشي بِهِ في النُّجُوعِ
ونغسلُ أجفانَهُ منْ زبانيةِ الحزنِ،
نَنْزعُ عنْ ظهرِهِ (قُبَلَ) الأصدقاءِ
وعنْ صدرِهِ دَبَقَ الأوسمةْ.
- 3 -
كيفَ ينشقُّ قبرٌ
لِيَلْتَهِمَ الكلماتِ البريئةَ
يلتهمَ الصوتَ
والوجهَ
أجنحةَ الصحوِ.. خيطاً
فخيطاً،
ولا تتوقَّفُ سيّارةُ الموتِ؟
إنَّ الشوارعَ خاليةٌ
كلَّما ارتعشَتْ بالطَّوافِ،
وأيقظَها مطرُ الفَجْرِ
حاصرَها القبرُ..
وا حَرَّ قلباهُ:
كلُّ المصابيحِ ترحلُ نازفةً
ترحلُ الخيلُ واللَّيلُ يبقى
يرحلُ السَّيْفُ والبِيْدُ تبقى،
يرحلُ الشّاعرُ - الكلماتُ
ويبقى البكاءُ - الخديعةْ.

- 4 -
آهِ..
ما لي أرى صوتَ مِصْرَ
يغادرُها،
وضعوهُ على قفصِ الصمتِ
داروا بِهِ
أنزلوهُ إلى حفرةٍ
ضاقَ بيتٌ منَ الشِّعْرِ في جوفِها،
وضعوهُ وقد هجعُ السّامرونَ
وغارتْ عيونُ الشُّمُوعِ
الثَّكالى؛
بدا صامتاً كالصَّحارى (أبو الهولِ)
وجهُ (المقطَّمِ)..
لم يَحْزَنوا
غَيَّرُوا موقعَ القلبِ
وابتهجوا لصفيرِ الرِّياحِ..
القصيدةُ قالتْ بخوفٍ،
وقد مَزَّقَتْ ثوبَ لوعتِها:
للمصابيحِ لونُ الرَّمادِ
وللماءِ طعمُ الترابِ
وللكلماتِ وميضُ الدِّماءِ
وللحزنِ وجهُ الوطنْ.

- 5 -
سمعَ النِّيْلُ صوتَ دموعِ القصيدةِ
وَدَّعَ مجراهُ
جاءَ ليحتجَّ،
يكشفَ عنْ حزنِهِ،
يتوشَّحَ بالدمعِ والجرحِ،
يشربَ نَخْبَ "أقولُ لَكُمْ"؛
صَدَّهُ حارسُ اللَّيْلِ
لم يحترسْ،
أطلقَ النارَ في صدرِهِ
ماتَ..
جَفْنُ الإلهِ حزينٌ
وضوعُ النهارِ المقدَّسِ صارَ حزيناً
بكاهُ
وغنّاهُ آباؤُهُ الأوّلونَ.
هوَ الموتُ في كفِّهِ يهمدُ البحرُ
في كفِّهِ تبردُ النارُ
يذبلُ لونُ الدِّماءِ
ويخضرُّ لونُ الحروفْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى