[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

ابتهالات

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - ابتهالات

إلهي
أعوذُ بكَ الآنَ منْ شرِّ نفسي
ومنْ شرِّ أهلي
ومنْ شرِّ أصحابيَ الطيّبينَ
ومنْ شرِّ أَعدائيَ الفقراءِ إلى الحبِّ
منْ شرِّ ما صنعَ الشِّعْرُ
منْ شرِّ ما كتبَ المادحونَ
ومنْ شرِّ ما كتبَ الحاقدونَ،
أعوذُ بِكَ اللَّهُ منْ أرقٍ في عيونِ النُّجومِ
ومنْ قلقٍ في صدورِ الجبالِ
ومنْ خيبةٍ في نفوسِ الرِّجالِ
ومنْ وطنٍ شاهرٍ موتَهُ،
يتأبَّطُ خيبتَهُ
يتكوَّرُ خوفاً منَ الذّاكرةْ.

* * *
إلهي
وقد سكنَ اللَّيلُ
وانكفأتْ تحتَ صمتِ الظلامِ
البيوتُ
وأورقَ حزنُ الشَّوارعِ
هل لي إذا انكمشَتْ داخلَ الجسمِ روحيَ
واختبأ الحُلْمُ في صَدَفِ الدَّمعِ..
هل ليَ خلفَ المدى توبةٌ تصطفيني،
ونافذةٌ تحتويني؟
وهل للكلامِ المحوَّطِ بالسِّرِّ،
أنْ يفتدي وحشةَ الغابِ
أنْ يمنحَ القلبَ شيئاً منَ الضَّوءِ،
شيئاً منَ الصَّلَواتِ
تُطَهِّرُ هذا الكيانَ العتيقْ،
وتغسلُ عنهُ سوادَ الخطيئةِ
تغسلُهُ منْ بقايا الجنونِ
ومنْ مَوَجاتِ الحريقْ.

* * *
إلهي
سأعترِفُ الآنَ أنّي خَدَعْتُ العصافيرَ
أنّي هجوتُ الحدائقَ
أنّي اختصمتُ معَ الشمسِ
أنّي اتَّخَذْتُ طريقي إلى البحرِ
منفرداً
وانتظرتُ الزَّمانَ الجميلَ؛
فما كانَ إلاّ السَّرابُ
وما كانَ إلاّ الخرابُ
ولكنّني انْصَعْتُ للشَّكِّ
كابرْتُ
بَعْثَرْتُ نصفَ الجنونِ
ونصفَ الضميرِ،
فأدركَني دُمَّلُ الوقتِ
شاهدتُ نعشيَ
خالطتُ أشياءَ
لا تقبلُ التَّسميَةْ.

* * *
إلهي
تزيَّنَتِ الأرضُ
أنتَ الذي بظلالِ النّدى،
بالبحيراتِ
بالعشبِ،
بالأخضرِ المتوهِّجِ زَيَّنْتَها،
وشعشعَ ضوؤُكَ في الماءِ
فاستيقظَ الرُّوحُ
وارتعشَتْ في الأثيرِ المعارجُ
فوّاحةً - كانتِ - المدنُ الذّاهباتُ إلى النهرِ
والقادماتُ منَ النهرِ،
لا شيءَ يشبهُ شيئاً هناكَ
ولا شيءَ يشبهُ شيئاً هنا
أنتَ شَكَّلْتَ باللَّونِ هذا الفضاءَ المديدَ
وأطلعْتَهُ.. كيفَ تنفلقُ الثَّمراتُ
وكيفَ يجيءُ المساءُ وحيداً إلى البحرِ
يسحبُ خُطْواتِهِ خائفاً
وينامْ.

* * *
إلهي
تسلَّلْتُ ذاتَ مساءٍ شديدِ الظلامِ
إلى (منطقِ الطَّيرِ ([1]))
كانَ (الفريدُ) هناكَ يحدِّثُ أنصارَهُ
وتلاميذَهُ
بعدَ أنْ عادَ منْ مدنِ العشقِ
ممتلئاً بالمحبّةِ للناسِ
والطيرِ
والكائناتِ القريبةِ
والكائناتِ البعيدةْ
... قالَ لي:
أيها الجاهلُ الجاحدُ الحقَّ
إنَّ التَّعَصُّبَ أفْعى
وإنّكَ - مهما ارتَقَى بِكَ جَدُّكَ -
لستَ سوى حفنةٍ
منْ ترابْ.

* * *
إلهي أنا شاعرٌ
يتحسَّسُ بالرُّوحِ عالَمَهُ
يكرهُ اللَّمْسَ،
عيناهُ مُقْفَلَتانِ،
وأوجاعُهُ لا حدودَ لأبعادِها
وتضاريسِها،
كرهَتْني الحروبُ
لأنّيَ بالحَسَراتِ
وبالخوفِ أثقلْتُ كاهلَها
ونجحْتُ بتحريضِ كلِّ الزُّهورِ
وكلِّ العصافيرِ،
أنْ تكرهَ الحربَ
أنْ ترفضَ الموتَ
يأتي بِهِ موسمٌ للحصادِ الرَّهيبِ،
ولكنّها الحربُ
يا سيّدي أطفأتْني
وأطفأتِ اللَّوَحاتِ المدلاّةَ في الأُفْقِ
أقْصَتْ عنِ الأرضِ نورَ السَّماواتِ
واحتكرَتْ مَلَكوتَ الجحيمْ.

* * *
إلهي
تبدَّلَ وجهُ الزُّهورِ
ووجهُ الطيورِ رماداً،
تبدَّلَتِ الأرضُ بالعشبِ
وانفطرَتْ..
لم يعدْ مستقيماً شعاعُ الصباحِ
وما عادتِ العينُ تقرأُ عبرَ نوافذِها المغلقاتِ
سحابةَ صيفٍ تذوبُ حناناً،
إذا اقتربَتْ منْ أصابعِها الشمسُ،
حتى السَّماءُ انحنَتْ
وتهشَّمَ أزرقُها..
ارْتَجَّ
وانطفأتْ فوقَ جدرانِها صورُ الظِّلِّ
والضَّوءِ.
إنَّ الحريقَ على حافَةِ العمرِ..
ماذا جرى؟
هل سيتركُنا الحبُّ للحربِ؟
أشهدُ أنَّ الزمانَ انتهى
والمكانَ انتهى
والفصولَ،
ولا شيءَ يلمعُ
يسقطُ فوقَ المياهْ.

* * *
إلهي
على عَجَلٍ جئتَ بي
وتمنَّيتُ - أنّي على عَجَلٍ - قد رجعْتُ إليكَ
وألقيتُ بينَ يديكَ جواهرَ حزني
وأثمنَ ما ادَّخَرَتْهُ الطفولةُ
منْ وجعٍ.. (آهِ)
لا شيءَ يُمْسِكُني - كانَ - إلاّ البكاءُ
فقد خفتُ لَمّا هبطتُ إلى الأرضِ
رَوَّعَني الناسُ
أرهقَني مخلبُ الخوفِ،
حاولتُ - يا ليتَني كنتُ أسْطِيْعُ - أنْ أنثني
أنْ أكونَ ندىً
حجراً،
أنْ أهاجرَ
أنْ أطمسَ اسْمِيَ
أمحوَهُ منْ كتابِ الخليقةْ.

* * *
إلهي مضى العمرُ إلاّ القليلَ
وما غادرَتْ قدمي أوَّلَ السُّورِ
منْ مَنْزلِ الكائناتِ،
ولم يشهدِ القلبُ سِرَّ الجمالِ الموزَّعِ
في الأرضِ
لم تكتبِ الرُّوحُ أوَّلَ حرفٍ
منَ اللُّغةِ المسْتَكِنَّةِ
في الضَّوءِ،
ما زالتِ الكلماتُ تشدُّ الرِّحالَ
إلى غيمةٍ ليسَ تدنو
إلى امرأةٍ اِسْمُها في الكتابِ القصيدةُ.
يا سيّدي:
ورقُ العمرِ ما زالَ أبيضَ منْ غيرِ سوءٍ
سوى ثرثراتِ المرايا
وأبخرةٍ تتصاعدُ منْ كبدِ الشَّكِّ..
هل تستطيعُ اللُّغاتُ التي ستموتُ معي
والقصائدُ أنْ تعبرَ الدَّهشةَ الصامتةْ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى