[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

اشتعالات

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - اشتعالات

أيّتُها الصَّحْراءُ،
يا أُمّي التي بلا ضَرْعٍ
ولا زرعٍ
ولا...،
حينَ لمستِ جرحيَ الطَّرِيَّ
انفلقَتْ أناملُ الرَّملِ
تنهَّدَتْ في الأُفْقِ نجمةٌ
وصاحَ بي منْ نهدِكِ اليابسِ جوعٌ
أدركَتْني ظلمةٌ داكنةٌ
وجَفَّ غيثُ اللَّهِ..
هل لا تعرفينَ يا أُمَّ الرِّمالِ
والتلالِ مَنْ أنا؟
مَنْ ضيفُكِ الأسيرُ في الهاجرةِ الحمراءِ
حيثُ لا ظِلَّ
ولا جبالَ،
لا أصواتَ..
طفلٌ طاعنٌ في الحُزْنِ،
باسطاً يديهِ،
مغمداً أقدامَهُ في الرملِ،
مُطْفَأَ الكلامِ..
لا صدىً.
أينَ أنا؟ تخبو المسافاتُ
وتعلو نجمةُ الخرابْ
إيّاكَ أيها الترابُ
أنْ تبحثَ عنْ صداكَ في الرِّمالِ،
أيها الترابْ.

* * *
تصبو إلى الماءِ رمالُ روحي
وإلى النخيلْ،

لكنّها تخافُهُ،
تخافُ منْ قابيلْ
وكلَّما استقرَّ ماءُ وَجْدِها
وسكنَتْ بلابلُ الخوفِ،
استطالَ صوتُ الحربِ،
شاهَدَ القلبُ دوائرَ الدُّخانِ
والدِّماءِ..
لا فرارَ..
انطفأتْ قناديلُ الضُّحى
وجَفَّ شمعدانُ الرُّوحِ
جَفَّتْ خضرةُ (المقيلْ).
سيدتي..
لستُ أنا الذي كتبتُ هذا السَّطْرْ
لستُ أنا الذي حفرتُ هذا القَبْرْ
لستُ أنا الذي ناديتُ وجهَ الحربْ
لستُ أنا
لستُ أنا
لستُ أنا الذي هشَّمْتُ وجهَ الوطنِ الجميلِ
هذا الوطنِ الشَّظايا،
وجدتُ نفسي طافياً على الرِّمالِ
لا مؤنسَ لا دليلْ
سوى أنينيَ الطويلْ،
وكانتِ الذئابُ ترتدي وجوهَ أصحابي
وتبتليني بالبكاءِ
فوقَ الجُثَثِ الملقاةِ كالسَّرابْ.
مَنْ يرتقي بروحي،
يرتقي بوطني مِنْ دَرَكِ الوحشةِ
واليبابْ؟

* * *
أحلمُ أنني خرجتُ منْ مرايا العمرِ
أنَّ روحاً حملتْني نحوَ نهرٍ أخضرِ الماءِ
يُضيءُ موجُهُ الزَّمانَ
والمكانَ،
أنني اغتسلْتُ منْ خطايا
احتشدَتْ في جسدي،
وأنَّ روحي اغتسلَتْ بذلكَ الماءِ،
وأنني قابلتُ في النهرِ دموعَ الرُّوحِ،
شاهدَتْ عيني هناكَ في سبُّورةِ الفضاءِ..
قمراً تَغْرقُ في ضبابِهِ الآثامْ
خريطةً بما جناهُ ضَعْفي
ورُكاماً منْ ترابِ الجسدِ القديمِ.
قالَ لي نجمٌ منَ الفضاءِ:
لولا حزنُكَ الكبيرْ
وعشقُكَ الكبيرْ
ما غسلَ اللَّهُ بنهرِ حبِّهِ خطاياكَ،
ولا اصطفاكَ للدُّخولِ
في محرابِ عفوِهِ العظيمْ.
شكراً لَكَ اللَّهُمَّ
يخجلُ اللِّسانُ،
اللُّغةُ العجوزُ لا تسطيعُ
أنْ تُلَمْلِمَ الألفاظَ
أنْ تصطادَ ما يضيءُ روحَها.
وما ينامُ تحتَ الكلماتِ
منْ معنىً جميلٍ
ينحني أمامَ عرشِكَ الكريمْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى