[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

من مواقف سُفْيان الصَّنعاني

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - من مواقف سُفْيان الصَّنعاني

- 1 -
موقفُ الضَّحِك:
ضحكْتُ كثيراً
فكافأني اللَّهُ بالحزنِ
عَذَّبَني بالكآبةِ
والأصدقاءِ،
وأدخلَني غرفةً منْ حروفٍ رماديّةٍ
تستحمُّ بأحزانِها..
ضاقَ صوتيَ
ضاقَ الكلامُ، وما وَسِعَتْني الإشارةُ.
في مدخلِ الضوءِ شاهدتُ روحي
لمستُ أصابعَها،
سقَطَ الخوفُ
شاهدتُ طفلاً بريءَ الخُطى
يتأمَّلُ وجهي العجوزَ،
تذكَّرتُهُ فانتبهْتُ
وأشعلْتُ في جسدي ثورةً للبكاءْ.

موقف البكاء:
بكيتُ كثيراً
فكافأني اللَّهُ بالحلْمِ
بالفرحِ النبويِّ،
وأنبتَ عشبَ المحبّةِ في القلبِ
أخرجَني منْ كهوفِ الصقيعِ
وأطعمَني منْ مَسَرّاتِهِ
ثمَّ أطلقَني صوبَ سهلٍ نديِّ الثرى..
لم أعدْ ميِّتاً
لم يعدْ جسدي مُثْخَناً بالكآبةِ،
سافرتُ في النارِ لم أحترقْ
جِبْتُ أعلى السَّماواتِ
صافحتُ كلَّ ملائكةِ اللَّهِ - في رحلتي -
أَمرَ اللَّهُ أنْ أرتدي غيمةً
أن أشاهدَ ما لم ترَ العينُ
ما لم يرَ القلبُ،
آثرَني
واحتواني
وأوصلَني عبرَ غيبوبةِ الصَّحوِ
أسلمَني للوصولْ.

* * *
يا غبارَ الحروفِ الدَّميمةِ،
ها أنا ذا واقفٌ بينَ ضِحْكي
وبينَ بكائي،
تميدُ بيَ الكلماتُ
وتسقطُ منْ راحتي كِسَفاً،
ينهضُ الرُّوحُ مرتَعِداً
لم يعدْ لي سوى دهشةٍ
تتلفَّعُ وجهي الغريبَ،
وحينَ تُراودُني اللَّذَّةُ المشتهاةُ
أعلِّقُ روحي على حائطٍ
منْ صلاةِ الخطايا،
وأهجرُها - امْرَأةَ الشَّكِّ -
في ساحةٍ لِمَراثي الرِّياحْ.

- 2 -
موقف الجسد:
كنتُ أبصرُها
كنتُ أبصرُ نفسيَ مكتظَّةً بالخطايا
محاصَرةً بذُبابٍ منَ الإثْمِ،
حاولتُ إغراءَها بالخروجِ منَ الجسمِ،
أمعنْتُ في صدِّها
فاستفزَّتْ بقايا الأفاعي بصدريَ
واسْتَنْفَرَتْ كبرياءَ الغِوايةِ
وانحدرَتْ.
سكنَتْ أسفلَ الجسمِ
بل أسفلَ الأرضِ،
وانفلتَتْ كصبيٍّ صغيرٍ
يحطِّم أعضاءَهُ،
آهِ ما كانَ أبعدَ ما بينَنا
غيرَ أني اعتذرتُ لها
واعتزلتُ الزِّحامَ،
خلعْتُ حذاءَ الهزيمةِ والصبرِ
أثمنَ ما ادَّخَرتْهُ السُّنونَ العجافُ..
ارتفعتُ أنا
ثمَّ واريتُها،
ولمحتُ بقايا شراراتِها
في ارتعاشِ العظامْ.

موقف الروح:
مثلَ برقٍ أضاءَ..
وَمَرْ
مثلَ صوتِ المطرْ
لمعَ السِّرُّ في راحتي
وهوى يستريحُ بأطرافِها،
ابْتَلَّ شخصي بماءِ الحقيقةِ،
وانْشَقَّتِ الرُّوحُ عنْ نفسِها
عنْ فتىً ذاهلٍ في السِّباقِ،
يرى نفسَهُ عارياً يتلفَّعُ بالإثمِ..
هذا المسجَّى هناكَ،
هنا.. رجلٌ في الثلاثينَ منْ عمرِهِ،
يتسرَّبُ،
تَنْشَعُ آثامُهُ
وخطيئتُهُ في القصائدِ،
في صفحةٍ منْ كتابٍ،
ويُكمِلُ دورتَهُ
يتلفَّعُ بالضوءِ
والظِّلِّ
مشتعلاً بالجنونِ
وفي فمِهِ جَزَعٌ وابتهالْ.

* * *
أكادُ أراهُ
المسجَّى هنا،
رجلٌ عادَ منْ رحلةِ الوهمِ
منطفئاً،
لا العبارةُ تُغْري كآبتَهُ
لا شظايا العيونِ الجميلةِ.
شاخَ الفتى،
واستعادَ نضارةَ أحزانِهِ
يضحكُ اللَّهَبُ المتسعِّرُ في جوفِهِ
وتُباغِتُهُ همهماتُ السؤالْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى