[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

في يفرس

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - في يفرس

- 1 -
خذلتْني بالأمسِ شواردُ روحي
وتولاّني خوفٌ منْ ضِلَّةِ أُنْسي بالناسِ
وبالمألوفِ،
تأخَّرتُ،
طويْتُ دمَ الشَّوقِ بصدري
فاستسلمَ مبهوتاً
وتحجَّرَ في الأعماقِ..
أخيراً جئتُ
دموعي تستبقُ الخطواتِ
وصوتي المسلوبُ المطفَأُ
يسترجعُ إيماضتَهُ
يغمرُهُ ماءُ ضبابٍ مسحورٍ،
وتُحلِّقُ روحي فوقَ قِبابٍ حالمةٍ
تتوهَّجُ تحتَ ندى المحرابِ
وإيقاعِ الضوءِ المتساقطِ
منْ جدرانٍ يكسوها ألَقُ الآياتْ.

* * *
يا أهلَ القريةِ:
مسجدُكم.. منْ أينَ له هذا الضوءُ
إذا جاءَ اللَّيلُ،
وأطبقَتِ الكلماتُ السّودُ
على قلبِ الأرضِ
على الناسِ وفي الأشياءْ؟
قُلْ جاءَ الوقتُ
سأفتحُ شُبّاكَ القلبِ
فتخرجُ أحزانٌ ميِّتةٌ
وقصائدُ يعلوها صدأُ السَّنواتْ
وأرى أمواجاً منْ ضوءٍ تنداحُ
وأسمعُ موسيقى تتنَزَّلُ ساخنةً
منْ عرشِ اللَّهْ.
يا أهلَ القريةِ..
منْ أينَ لقريتِكم هذا الضوءُ
وهذا الصوتُ الفاتنُ؟
منْ أينَ لها هذي الأحجارُ البيضاءُ
بلونِ الفضّةِ؟
هل تغسلُها - كلَّ مساءٍ - كفُّ اللَّهِ
فتخرجُ صافيةً تلمعُ كالبِلَّورِ
تُحاوِرُ أعشابَ الصُّبحِ،
وتتلو أوراداً تتنَزَّلُ نحوَ الأرضِ
بمكنوناتِ رؤىً
لم ترَها عينٌ في الحُلْمِ
ولا استدرجَها في الشِّعرِ سؤالْ؟!

* * *
هل قيلَ لكم
ذاتَ نهارٍ يتسربلُ بالغيمِ:
بأنَّ القريةَ - قريتَكم -
ترحلُ للشّامِ
تصلّي في مكّةَ،
تجلسُ ساعاتٍ في حضرةِ أهلِ العشقِ الصوفيِّ،
تعودُ وموسيقى الوردِ
تهدهدُ ليلَ ضفائرِها،
وعلى الثوبِ الأبيضِ
شيءٌ منْ قطراتِ الوَجْدِ الدّافئِ،
يا أللهْ..
كم شاهدتُ قِبابَكِ في الحُلْمِ
وكم ضحكتْ أحزاني
وأنا في الدَّربِ إليكْ..
منْ أينَ تجيءُ عطورُ الدُّنيا صافيةً
لترشَّ الأشجارَ بمكنونِ الضوءِ،
وتحملَ للأحجارِ
وللناسِ ندى وردٍ
ورياحينْ.

* * *
يا أهلَ القريةِ..
منْ أينَ تجيءُ لقريتِكم أسرابُ طيورٍ
في الصيفِ،
تمدُّ القريةَ بالظِّلِّ،
وأسرابُ طيورٍ دافئةٍ في (كانونْ).
أطيورٌ هذي؟
أمْ هيَ أرواحُ عبادِ اللَّهِ الأبرارِ
أتتْ لتفيضَ على القريةِ بالحبِّ
وبالعطرِ،
وجاءتْ لِتَشُمَّ القهوةَ
في أيدي أطفالٍ كاللُّؤلؤِ
ورجالٍ في خضرةِ أشجارِ الزَّيتونْ.

* * *
يا أهلَ القريةِ..
يأتينا الواردُ عبرَ غيومٍ مُتْرَعةٍ
بتسابيحَ تضيءُ الرُّوحَ،
ويأتي الرَّمْزُ جنيناً
لينامَ على عرشِ القلبِ
ويُطلقَ أحلاماً تتزاحمُ
تتشظَّى.. تتساءلُ:
مَنْ هذا الفارسُ لا يترجَّلُ
يتهادَى فوقَ حصانٍ منْ نورٍ
بينَ أصابعِهِ سيفٌ منْ نورٍ
يقرأُ فيهِ المظلومونَ زمانَ العدلِ
وينظرُ فيهِ الفقراءُ نعيماً لا يَبْلَى؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى