[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

اكتمالات أحمد

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - اكتمالات أحمد

بالموتِ يكتملُ الفتى،
ويصيرُ إنساناً بهيّاً حالماً
تنداحُ منْ حَدَقاتِهِ النَّعْسَى الحدائقُ،
والهضابُ الفاتناتُ،
تُطِلُّ منْ أكفانِهِ سحبٌ
وأشرعةٌ
وبحرٌ أزرقُ الرّاياتِ،
ينسى ما رآهُ منَ الشُّجونِ
منَ السُّجونِ،
ويمتطي نجماً
وسِمْفُونيّةً بيضاءَ
يرحلُ حيثُ لا غيمٌ
ولا ريحٌ،
ولا غَسَقٌ،
وحيثُ اللَّهُ يفرشُ أرضَهُ بالنورِ
والفيروزِ،
ينقشُ باليواقيتِ السَّماءَ،
يطرِّزُ الآفاقَ باللَّوحاتِ
والإيقاعِ
والضوءِ الحميمْ.
يا أيها الموتُ الجميلُ
لمحتُ وجهَكَ ناصعاً
خلفَ التلالِ الهارباتِ منَ الضَّبابِ،
سمعْتُ صوتَكَ في حديثِ الرّاعياتِ،
وعبرَ شَبّاباتِ وادي الزَّعفرانِ،
قرأتُ أشعاراً لموتى استقبلوكَ
وقد تماهى وَجْدُهم بالشَّوقِ نحوَ اللَّهِ،
فاكتملتْ قصائدُهم،
كما اكتملَ الفتى
وابْتَلَّتِ الألفاظُ بالمعنى البهيِّ
افتحْ نوافذَكَ النديَّةَ
أيها الموتُ الجميلْ
يا بِذْرَةَ الميلادِ حَوِّطْ هذه الأكوانَ
بالأكفانِ،
واغْسِلْنا بريحانِ البدايةِ نكتملْ،
يا أيها الموتُ الجميلْ.

* * *
يا (أحمدُ) الإنسانُ
حينَ أتيتَ دنيانا
احتملْتَ خصامَها،
وكرهتَ أنْ تقسو..
وهل يقسو الملاكُ؟
وكنتَ شَفّافاً كماءِ الضوءِ
يحسدُكُ السَّلامُ على سلامِ الرُّوحِ،
والصَّدرُ النقيُّ
يحبُّ لا يرتابُ،
ينسى كالجداولِ غضبةَ الأعشابِ
والأصحابِ،
يحترفُ المودّةَ والوئامْ.

* * *
حزني عليكَ مقسَّمٌ
بينَ القصيدةِ والكتابْ
بينَ الجريدةِ والمجلَّةِ
بينَ مصرَ وأمَّةٍ
أوقدْتَ شمعَ العينِ،
كيما تستنيرَ قرىً بها
مخلوعةٌ منْ عصرِها الذهبيِّ،
كانتْ في فضاءِ الأرضِ
وَهْيَ الآنَ في قِيْعانِها
تتلمَّسُ العتباتِ في شوقٍ بدائيٍّ
وخوفٍ ليسَ يفتحُهُ الكلامْ.
يا نافخاً في الطِّينِ
يجلسُ عندَ قارعةِ الكآبةِ
يكتسي وَمْضَ الأُفُولْ
وتُطِلُّ منْ عينيهِ أسئلةٌ
معبَّأةٌ بحبِّ الناسِ
بالدَّمعِ الجريحِ
وبالذُّهولْ.

* * *
قبلَ البكاءِ عليكَ
أو بعدَ البكاءِ عليكَ،
كيفَ رأيتَ دنيا الصَّمتِ
عالَمَهُ المحوَّطَ بالسَّكينةِ؟
لا صدى..
سبحانَ منْ أسْرَى بصوتِكَ
قبلَ روحِكَ،
واصطفاكَ إليهِ
ترحلُ في مدائنِ حبَّهِ
متهلِّلاً كالطفلِ؛
كنتَ تجيبُ مَنْ سألوكَ،
ثمَّ دخلتَ بابَ الصَّمتِ..
هل بالصَّمتِ يكتملُ الفتى
أمْ إنها ضاقتْ عبارتُنا
أوِ اتَّسَعَتْ ضِفافُ الجرحِ،
واسترخى الدُّخانُ،
وأطبقَ الصَّخَبُ العنيدُ على الكلامْ؟‍‍‍!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى