[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

في الصيف ضيّعْنا الوطن

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - في الصيف ضيّعْنا الوطن

حديث على مائدة النكسة إلى
الأرض التي فقدناها في حزيران
أضعتُكِ في الصيفِ،
في مطلعِ الصيفِ
لكنّني ما افْتَقَدْتُكِ إلاّ غداةَ أطلَّ الشتاءْ،
ولم أبكِ حينَ رحلْتِ
لأني معَ الصيفِ كنتُ أضعْتُ الدُّموعَ
وها أنا يا طفلتي ضائعٌ في البكاءْ..
يطالعُني وجهُكِ النبويُّ حزيناً
وتغرزُ عيناكِ في شجرِ القلبِ..
في العينِ نَصْلَ الدِّماءْ.
صلاتي الدُّمُوعْ
وخبزي وفاكهتي والشرابُ الدُّمُوعْ
وكلُّ النهاراتِ مظلمةٌ.. كلُّ يومٍ مساءْ.
تذكَّرْتُ عينيكِ
دِفْئَهُما في ليالي الصقيعْ،
ذكرْتُ نهارَ الربيعْ،
تذكَّرْتُ أنّكِ حاولْتِ أنْ تعبري ضِفَّةَ المستحيلْ
بزادٍ قليلْ
وجندٍ قليلْ
وكلُّ التماسيحِ كانتْ هناكْ
تُعِدُّ القيودَ لكفَّيْكِ يا طفلتي،
وتُعِدُّ الشِّباكْ.
ولم تَجْبُني كنتِ رائعةً..
غيرَ أنَّ الرفيقْ
تخلَّفَ عنكِ،
تعثَّرَ إيمانُهُ في دُوارِ الحريقْ..
فأسْلَمْتِ جِسْمَكِ للأسْرِ
صارَ النهارُ أسيراً
وصارَ الطريقْ.

* * *
غسلْنا حوائطَ أيّامِنا واللَّيالي..
وأوزانَ أشعارِنا
وعيونَ الشَّجَرْ،
بدمعِكِ مأسورةٌ
بدموعِ النَّهَرْ.
فما أطفأَ الدمعُ غُلَّةَ أحزانِنا المستبدَّةِ،
لا هطلَتْ منْ سمانا الغيومُ
ولا قطرةٌ منْ مَطَرْ..
وحينَ نناشدُها تزدرينا
وتقذفُنا في امتهانٍ ب (بعينٍ مشوَّهةٍ
وَحَجَرْ)

* * *
سألتُ القواربَ عنكِ
سألتُ الشطوطَ الحزينةْ،
ووجهَ المدينةْ،
شوارعَها
جندَها
والكُوَى المستكينةْ..
تمزَّقْتُ شِعْرا..
حملْتُ جراحي،
رحلْتُ إلى البحرِ
أطفئُ حزني بِهِ وأنيني،
تمزَّقْتُ نثرا
فلم تسمعيني،
تناثرَ كالملحِ فوقَ العيونِ،
على كلِّ جرحٍ حنيني
زرعْتُ الدموعَ شتاءً وصيفا
خريفاً وصيفا،
فكانَ الحصادُ أسىً أسوداً
ونداءً أسيفا.

* * *
يقولونَ: إنّكِ حينَ يجيءُ المساءُ
ولحظةَ أنْ يتدلَّى حزيناً
منَ الشرقِ وجهُ القَمَرْ،
تطلِّينَ منْ قاعِ سجنِكِ بحثاً عنِ الأهلِ،
تسألُ عيناكِ: ماذا وراءَ الشَّجَرْ؟
وماذا تُخَبِّئُهُ عينُ زرقاءَ،
ماذا تقولُ الرِّمالْ؟

* * *
ذهبتُ لألقاكِ
أقرأَ في عينِكِ الصَّبْرَ
أهربَ منْ شبحِ المستحيلِ،
وجدْتُ القناةَ منَ الماءِ مقفرةً،
ووجدْتُ الطريقَ طويلاً.. طويلا.
رجعْتُ قتيلا
أجرجرُ رأسي
أشدُّ على جُثَّتي في ازدراءْ،
وأمشي على جثثِ الآخرينَ
أحسُّ بها رخوةً تتنفَّسُ، تمتدُّ أرضاً،
ولكنَّها فقدَتْ كلَّ دفءِ الدِّماءْ.
وصارتْ مُجَوَّفَةً،
تتحدَّى الطواحينَ محشوّةً بالخواءْ.

1972م

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى