[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

سبع قصائد لاشتعال الأرجوان

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - سبع قصائد لاشتعال الأرجوان

الصَّوتُ في مكانِهِ استطالَ
صارَ باذخاً ومُرْعباً
يمتَصُّ منْ شيخوخةِ الأرضِ طراوةَ السَّكينَةْ
غبارَها المبلَّلَ العتيقْ.
لم يبقَ في الفضاءِ موضعٌ للصَّمتِ
موضِعٌ لِلَذَّةِ الرُّؤيا
بعينٍ لا تُجيدُ الكلماتْ.
البحرُ ذاتَ يومٍ قالَ لي:
إياكَ والكلامْ
مُلَوَّثٌ هوَ الكلامُ..
قلتُ: هل للصَّمْتِ لغةٌ؟.
يبهرُني حديثُ البحرِ
عندَما أزورُهُ أراهُ شارداً،
يستحلبُ الحصى
يبلُّني بالصَّمت،
كانَ الشِّعرُ واقفاً
وكانَ صوتُهُ صمتا
وصمتُهُ صوتا
وكانتِ الألفاظُ نجوىً داخليّةَ الضوءِ،
متى يعودُ الشعراءُ
للصَّمتِ الذي يختزلُ الكلامَ،
للصَّمتِ الذي يكتبُ
في سوادِ الواقعِ البياضْ؟!

- 2 -
لامرأةٍ منْ طينْ
امرأةٍ منْ عَرَقِ الأجسادِ
يهمسُ الساقُ فيهتزُّ الرجالُ
قالَ (ص) : إني ناذرٌ رفاقي
وقالَ (س) : ناذرٌ ذاكرتي
مَدَّتْ لهم يدَ الحزنِ
وفي الخلاءِ بينَ القبرِ
والصّحراءِ
ألقتْ بهم إلى الهواءِ الرَّخوِ،
واستدارتْ تنفخُ الطينَ
تُغنّي،
وشعاعُ الجسدِ الجميلِ
وردةٌ ترقصُ في حدائقِ اللَّذَّةِ
تستلقي انتظاراً لاشتعالِ الأرْجُوانِ
منْ خُطَى اللَّيلِ
ومنْ حرائقِ الرِّجالْ.

- 3 -
دَعَتْهُ جدرانُ النهارِ لم يُجِبْ،
داعبَهُ الخوفُ الذي ينسلُّ منْ نوافذِ اللَّيلِ
فلم يُجبْ،
الوقتُ كانَ ليلاً..
والضُّحى يسيرُ خائفاً
والدَّمُ في الأشجارِ والكتبْ.
رصاصةٌ شِرِّيرةُ العينينِ تكتبُ التاريخَ
تمتطي ضفادعَ الحَرْفِ
وقُمَّلَ الكلامِ، تنتقي الكذبْ
والناسُ في ممرّاتِ الرَّمادِ يصرخونَ:
يا هذا.. جداولُ الغبارِ،
كائناتُ اللَّيلِ؛
ترتدي ثوبَ بَتولٍ
وتنادي كلَّ مهرةٍ تخلعُ سروالَ العفافِ:
لم يعدْ في الزَّبَدِ الليليِّ
مَنْ يرغبُ في عناقِ الفَجْرِ،
مَنْ يُراقصُ الصباحْ؟

- 4 -
كانَ له بحرٌ
وشمسٌ
ويدانِ
كانَ عازفَ الشَّبّابةِ الوحيدَ
في المدينةِ الوحيدةْ.
يسكنُ ظلَّ الضوءِ والقصيدةْ
يقرأُ بالأصابعِ الجَوْعى،
عظامُهُ عاريةٌ،
في صدرهِ أحلامُ طائرٍ مقهورْ
صرخةُ شاعرٍ مكسورْ
وفي مساءٍ مكفهرِّ الوجهِ
أسودِ النجومْ
أتاه خادمُ السلطانْ:
- مولايَ يشتهي سماعَ عازفٍ
يبصرُ موسيقاهُ قبلَ أنْ يسمَعَها..
فاحترقَ الصوتُ..
استغاثتِ الألحانْ
ارتعشتْ ثقوبُ الخوفِ
في الشَّبّابةِ المبتسمَةْ
وفي الغداةِ شاهدَ الناسُ
على مشارفِ الميدانْ
كفّاً معلَّقاً
وجثَّةً تسيرُ فوقَ إسفلتِ الشوارعِ
المزدحمةْ.

- 5 -
أحلامُهُ تَنْأَى
وظلُّ قدميهِ لا يلامسُ الأرضَ
معَ الرِّياحِ يبتعدْ
يا أيُّها الفتى اللائبُ في المدى الموحِشِ
في فضاءٍ غامضِ الأشياءِ..
عُدْ
لا شيءَ في دائرةِ الغبارِ
الطَّرَفُ القصيُّ خالٍ
و… القريبُ خالٍ،
والطَّوابيرُ الطِّوالُ..
لا أحدْ.
في الحزنِ يأتي الحزنُ باهتاً
يركضُ في عيونِ الناسِ
في كلامِهم.
في اللَّيلِ يأتي اللَّيلُ حارقاً
ينداحُ في أَوردةِ العينينِ
يلتوي
يلتَفُّ عابثاً كشجرِ اللَّبْلابْ.
يا أيها الفتى..
تواطأَتْ عليكَ أفخاذُ العماراتِ
وأرْمَلاتُ المسرحِ القديمْ.

- 6 -
أنتَ صغيرٌ
وفضاءُ الكلماتِ واسعٌ
يهربُ بعضُهم
هل مَرَّةً رأيتَ طفلاً جائعاً
ويدُهُ في صدرِهِ
معلِّقاً عينيهِ في فضاءِ الحُلْمِ..
أنتَ هذا الطفلُ
ذاهلٌ يقصفُكَ الجوعُ
وجائعٌ يقصفُكَ الرُّعْبُ،
وأصدقاؤُكَ الذينَ تلتقي خطوطُهم
بخطِّ أفْقِكَ القديمِ،
خطِّ أفْقِكَ الجديدِ؛
هاجروا.. يهربُ بعضُهم
والآخرونَ كالمثقَبِ
يدخلونَ عينيكَ التَّعيستينِ..
بالرَّمادِ يرسمونَ وجهَكَ الصَّديقْ.

- 7 -
اللَّيلُ في صنعاءَ وَهّاجٌ
وكلُّ بيتٍ في المدينةِ اشتكى
رائحةَ الحزنِ،
رأيتُ الموتَ
أمسكْتُ بصدري،
كانتِ الشَّرارةُ الأولى تضيءُ
ماتَ الوقتُ
أرخى الحزنُ عينيهِ
استدارَ الخوفُ
واستطاعَ البحرُ أنْ يرى زُرقتَهُ
في الشارعِ الممتدِّ
كانتِ الشَّرارةُ الأخرى تضيءُ
انطلقتْ
وأصبحَ البحرُ بلا ماءٍ
ولم يكنْ معي سوى ظِلّي
سوى اشتعالِ الجسدِ المبلولِ بالحُمَّى
وصوتِ الوطنِ المفقودِ.
والظلامُ في صنعاءَ وهّاجٌ
ومُسْتَرْخٍ
ونجمةٌ خائفةٌ
تبحثُ في الفضاءِ الرَّحْبِ عنْ مكانْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى