[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

اللوحة الثالثة والعشرون

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - اللوحة الثالثة والعشرون

عينُهُ في الأعالي
يقلِّبُها يمنةً، يسرةً
لا تكفُّ عصاهُ عنِ الاحتجاجِ
ولا فمُهُ:
"عبثاً كلُّ ما تعملونْ
عبثاً كلُّ ما تكتبونْ"..
ذاكَ مجنونُ قريتِنا
كنتُ أحسدُهُ في الطفولةِ
أحسدُهُ في الشبابِ
وأحسدُهُ الآنَ..
لا يَرْهَبُ الرِّيحَ،
يرهبُهُ اللَّيلُ
تخشاهُ كلُّ الضّواري.
تغيَّرَتِ الأرضُ والناسُ
وَهْوَ على عرشِ حكمتِهِ
لا يرى في الجموعِ الغفيرةِ
إلاّ خفافيشَ تَعْمَى عنِ الحقِّ
تركعُ للظالمينْ.

* * *
(محنةُ البشرِ أنهم لا يجدونَ مفهوماً محدَّدَاً
للعقلِ وللجنونِ،
كلُّ منْ يخالفُهم في رأيٍ لا يعتبرُ مخالفاً
بل مجنوناً ومتخلِّفاً عقليّاً.
مجنونُ قريتِنا كانَ العاقلَ الوحيدَ في القريةِ،
يقدِّمُون إليهِ كلَّ يومٍ عدداً منَ الأرغفةِ
وكميّةً منَ الصُّوفِ ليغزلَهُ بمهارةٍ
ومنْ هذا الصوفِ الذي تغزلُهُ كفُّ المجنونِ
يصنعونَ الطاقيّاتِ الجميلةِ
وصديريّاتِ النساءِ القادماتِ إلى العرسِ.
أحياناً يعجزُ عنِ التعبيرِ باللُّغةِ عنْ أحزانِهِ
تجاهَ ما يقترفُهُ أبناءُ قريتِهِ منْ أخطاءٍ، فيلجأُ إلى البكاءِ.
يحدِّثُهم عنْ أشياءَ سوفَ تقعُ فيكذِّبُونَهُ
وحينَ تقعُ يقولونَ: "خذوها منْ أفواهِ المجانينِ!"
يخوِّفُون الأطفالَ منَ الاقترابِ
منَ الصخرةِ التي يجلسُ عليها،
لكنَّ الأطفالَ يدركونَ
أنهُ الوحيدُ
الذي يعاملُهم بدفءٍ إنسانيٍ نادرْ).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى