[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

الشهيد حسن الدعيس - محطات هامة من حياة حكيم الأحرار (معلومات تنشر لأول مرة)

الشهيد حسن الدعيس - محطات هامة من حياة حكيم الأحرار (معلومات تنشر لأول مرة)


هذه محاولة اليراع مرة أخرى للاقتراب والدخول في محراب الشيخ حسن الدّعيس؛ ليبدع مستمتعاً وهو يخطُّ حروفاً وكلمات تجسِّد سيرة الشيخ وحياته، والتي - وإن كُتبت - لم توفِ الرجل حقه، فقد كان رحمه الله برسالته وفضله ولسانه وعطائه قامة شامخة في سماء اليمن عطاءً ومحبة وثورة وفلسفة وحكمة.
ولأن الشيخ حسن الدّعيس بآثاره الوطنية ورؤاه الثاقبة وفكره المنفتح على آفاق الكون، ليس ملكاً لأحد، لابد من تقديم إضاءات لامعة من سيرة حياته؛ لتكون نبراساً تضيء به الأجيال خالدة في الزمان والمكان، وتتجلى إضاءات تلك المعالم في اللمحات الآتية:
* هو: حسن بن محمد بن سعيد بن غالب الدّعيس، ولد في بعدان، عزلة الدعيس، قرية منزل سبأ، في العام 1295هجرية.
* توفي والده (محمد بن سعيد) رحمه الله وهو في سن صغيرة، فتربى مع شقيقه الأصغر (علي بن محمد بن سعيد الدعيس) في كنف ورعاية جدهما سعيد بن غالب رحمه الله.
* اختصَّ في تعليمهما باللغة العربية والفقه وعلوم الحديث على يد العلامة المؤرخ القاضي محمد الصباري رحمه الله، أحد أعلام مدرسة زبيد العلمية آنذاك.
* كان له من الأبناء أحد عشر (من ثلاث نساء)، تسعة ذكور وابنتان، توفي اثنان من أبنائه الذكور في حياته وهما في سن الرجولة، أحدهما ولده عبدالله (الأول) الذي توفي وهو رهينة في ذمار ودفن هناك، وتوفي ولده الثاني عبدالواحد وهو في بلاد الاغتراب في الولايات المتحدة الأمريكية، وتوفي ستة منهم مع البنتين بعد وفاته على فترات متباعدة رحمهم الله. ولا زال على قيد الحياة أصغر أبنائه وهو الوالد الفاضل والشيخ الجليل أحمد بن حسن أطال الله في عمره “الذي ولد حين كان والده في سجن حجة”.
* تميز في إجادته لحفظ القرآن الكريم وتفسيره، وكان قوي الإيمان والاعتقاد بالله عز وجل موحداً له سبحانه حريصاً على محاربة أي صورة من صور الشرك بالله المباشرة وغير المباشرة.
* كان مُصلحاً اجتماعياً، وداعية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي منادياً بالحرية والاستقلال والديمقراطية والوحدة الوطنية.
* كان همه مُرِكَّزاً في الدفاع عن الوطن اليمني عموماً والمشاركة في حرب التحرير ومقاومة الاستعمار البريطاني، حيث سار على نهج أبيه وجده في محاربة الاحتلال التركي لليمن واستمر في الكفاح ضد الأتراك. ودعَمَ الإمام يحيى في إرسال أموال الزكاة إليه وكان لهذا الموقف الوطني في سبيل تحقيق الاستقلال من الاحتلال التركي والمشاركة في مقاومة الاستعمار البريطاني في كل من:
1. قيادة الحملة بمنطقة ردفان عام 1345 هجرية، مع يحي محمد عباس.
2. قيادة الحملة بمنطقة البيضاء عام 1347 هجرية، مع عبدالله بن أحمد الوزير.
* قام الإمام يحيى بعد استقلال اليمن من الحكم التركي واستقرار حكمه في صنعاء بتولية الشيخ حسن مهمة شيخ الضمان لمديريات دمت والسدة والنادرة والرضمة والشعر وبعدان والسبرة لضمان جمع وتوريد أموال الزكاة عن هذه النواحي، كما شغل مدير إدارة مالية قضاء النادرة من عام 1335 هجرية حتى عام 1345 هجرية.
* وفي هذه الفترة - نظراً للإحساس العميق لدى الشيخ حسن بحاجه أبناء اليمن عامة للتعليم وأبناء هذه المديريات خاصة حيث كان ينتشر الجهل والأمية بين المواطنين - قام الشيخ حسن ببناء مكاتب تعليمية في مراكز تلك النواحي (المديريات) وألزم المواطنين بإرسال أبنائهم إلى تلك المكاتب للتعليم في خطوة كانت هي الأولى من نوعها في اليمن وكان يتم تمويل تلك المكاتب بجزء بسيط من أموال الزكاة، وهذا الأمر أثار حفيظة الإمام يحيى وسخطه فأرسل أمير الجيش لمحاسبة الشيخ حسن وطلبه إلى صنعاء للمحاسبة واستمرت محاسبته أكثر من أربعة سنوات ولم يثبت عليه أي مخالفة أو تحقيق مصلحة ذاتية وإنما كانت المحاسبة والطلب المستمر إلى صنعاء بمثابة عقاب على قيام الشيخ حسن ببناء تلك المكاتب التعليمية والتي تم تحويلها فيما بعد إلى مقرات للحكومة وعمال الامام في تلك النواحي.
* كان الشيخ حسن في تلك الفترة المظلمة البائسة من المستنيرين والمثقفين القلائل في اليمن حيث لم يكتفِ بما تلقاه من علم على يد القاضي العلامة الصباري وإنما استمر في مواصلة التثقيف الذاتي من خلال الاطلاع المتواصل على الكتب وبعض الإصدارات الصحفية التي كانت تصل إليه مع التجار من عدن في مجالات التاريخ والأدب والفلسفة والدين والسياسة وكان متابعاً للأحوال العربية والعالمية ومن أوائل من استخدم الراديو (المذياع) والجرمافون (صوت الطرب) (البيك أب)، وكانت تأتيه الأسطوانات من عدن أيضاً.
* ذلك القدر من الاستنارة والثقافة جعل الشيخ حسن من أكثر الناس وأعمقهم شعوراً بالواقع المأساوي الذي يعيشه المواطن اليمني وتعاني منه اليمن وكل ما فيه من جهل وظلم وتعسف وعنصرية وتصنيف للمواطنين وعزلة عن العالم وفقر ومرض، وكان من أكثر الناس وعياً بممارسات من بيدهم السلطة وجورهم على المواطنين، وكان معارضة الشيخ حسن لذلك كله تتمثل في البداية بالنقد المهذب، والتعليق الظريف، والنكتة اللاذعة.
* في عام 1934م كانت صدمة الشيخ حسن كبيرة بهزيمة اليمن في الحرب مع السعودية، وحزن حزناً عميقاً بسبب نتائج تلك الحرب وكان يرى أن الهزيمة كانت بسبب التخلف والجهل والانعزال عن التطور الذي يحدث بالعالم في مجال بناء الدولة ومؤسساتها وفي مجال بناء وتنظيم الجيش وتسليحه كركن من أركان بناء الدولة وتأهيل العسكريين القادرين على قيادة الجيش، واستئثار النظام الحاكم بموارد الدولة والعجز عن تنميتها واستثمارها لتطوير البلاد وامكانياتها، وكان من دواعي الحزن والغيظ لديه في تلك الفترة هو المقارنة بين ممارسات النظام الحاكم بكل مكوناته في استخدام العسكر والعكفة بإذلال وقهر وقمع وترهيب المواطنين والتطفل عليهم وحماية النظام، وبين المواجهة العسكرية في الحرب مع الخصوم الخارجيين.
* وفي نفس سنة الهزيمة من السعودية 1934م حدث قبلها ببضعة شهور إبرام الإمام اتفاقية مع بريطانيا سميت باتفاقية صنعاء والتي فرطت بالتضحيات الجسيمة التي قدمها الشهداء والمناضلون اليمنيون في سبيل تحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني بعد ما تم تحرير شماله من فساد الحكم التركي ليتحقق الهدف المنشود بتوحيد اليمن في دولة واحدة مستقلة، لقد كان ذلك الحدثان دافعاً قوياً للشيخ حسن أن يتجه إلى المعارضة المنظمة والفاعلة للنظام وبدء مرحلة التوعية للأفراد المؤثرين في المجتمع من خلال الاجتماعات والمحادثات والمناظرات في المجالس الاجتماعية في مدينة إب وفي كل من صنعاء وذمار والحديث عن موضوعات تاريخية وأدبية ودينية واجتماعية. وكان الغرض من ذلك أن يستوعب الناس الواقع الذي يعايشوه، والمآسي التي يعانونها، ومن هذا الشعور ألّف قصة (السائح الهندي) موضوع هذا الكتاب (حكيم الثورة حسن الدعيس).
* كانت تلك الاجتماعات والمحاضرات والمناظرات محلاً لرصد عيون وأذان الإمام يحيى وبطانته الأمر الذي جعلهم يلفقون للشيخ حسن تهمة بأنه مارق عن الدين وأنه يدعو إلى اختصار القرآن وقد تم تشكيل محكمة خاصة بمحاكمته بهذه التهمة مكونة من كبار العلماء في صنعاء وكان أصغرهم سناً القاضي أحمد بن أحمد زبارة مفتي الجمهورية السابق، وقد عمل أزلام النظام على إشهار هذه القضية للإيقاع بالشيخ حسن وإنزال اقصى عقوبة به للتخلص من نشاطه، واستمرت المحاكمة عدة سنوات. وقد استطاع الشيخ حسن بلباقته وفلسفته الدفاع عن نفسه وكسب القضية وحكمت المحكمة بالإجماع ببراءة الشيخ من التهمة المنسوبة إليه.
* كان الشيخ حسن - قبل المحكمة - قد التقى برموز النضال الوطني مثل محمد المحلوي، العزي السنيدار، أحمد المطاع، ثم بعد ذلك ببعض الشباب الذين عادوا لليمن بعد دراستهم في الخارج أمثال أحمد الحورش ومحيي الدين العنسي، كما ضمت كوكبة الشباب رموز وطنية أخرى منهم الموشكي، والبراق، واحمد محمد نعمان، والزبيري، والإرياني، وغيرهم من كل من صنعاء وذمار وإب وتعز وترسخت القناعة لدى الجميع بضرورة العمل على تغيير الأوضاع في اليمن والسعي إلى إقامة نظام حكم دستوري يقوم على أساس دستور مكتوب ويهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وتطوير البلاد، وإيجاد مؤسسات محددة لإدارة شؤون البلاد وتقديم الخدمات للمواطنين ولذلك بدء العمل على تأسيس تنظيم الاحرار في اليمن لتحقيق هذه الغايات، وكان أساس هذا التنظيم هو وثيقة الميثاق الوطني المقدس الذي سيأتي ذكره هنا لاحقاً.
* ولكي يبعده الإمام عن نشاطه وتواصله مع الاحرار عينه عاملاً لناحية جبل رأس (تهامة) محافظة الحديدة في عام 1352 هجرية كون هذه المنطقة تعتبر نائية في ذلك الزمان.
* ومرة أخرى رصدت عيون وأذان الإمام معاودة نشاطه وكان قد تم وضع الشباب العائدين من الدراسة في الخارج تحت المراقبة الشديدة. شملت تلك المراقبة الاجتماعات والمجالس وصدرت أوامر الإمام يحيى بالقبض على بعض الشباب العائدين من الخارج ومنهم الحورش والعنسي وإرسالهم إلى سجن حجة وإعدامهم هناك، كذلك تم إعدام الموشكي والبراق، كما أودع الشيخ حسن سجن حجة مع زملائه الأحرار عام 1363 هجرية، وظل في السجن حتى أوائل عام 1367 هجرية وذلك لمناداته بالإصلاح السياسي والاقتصادي والدعوة للتغيير النافع لليمن.
* لم تؤثر سنوات السجن الرهيب على معنويات الشيخ حسن بل زادت قناعته رسوخاً بضرورة السعي الحثيث لتحقيق أهداف الأحرار وبالتالي عند خروجه من سجن حجة وصل إلى صنعاء والتقى بالأحرار في منزل القاضي الثائر عبدالسلام صبرة رحمه الله، وكان الأحرار آنذاك مترددين في أمرهم (أي الثورة) فكان للشيخ الفضل في حسم موقفهم واتخاذ القرار بالثورة، وكان أول من أقسم يمين الخلاص ووقع على "الميثاق الوطني المقدس" وتبعه زملاؤه الأحرار، (كما ذكر ذلك العلامة محمد عبدالله الفسيل في الملحق الأخير من هذا الكتاب).
* وبعد توقيعه على الميثاق الوطني المقدس توجه إلى مسكنه في بعدان من أجل تقديم الدعم للثورة، وقد باع منزلاً له ورثه عن جده ليموّل تحركات زملائه الأحرار، وعندما سأله أهل بيته لماذا بعت البيت وأنت مقتدر؟ رد عليهم بالقول: لقد عاهدنا الله أن نمد الأحرار بِحُرِّ مالنا.
* لم يكتسب الشيخ طوال حياته أي أرض أو مسكن بل كان يبيع بعض ما ورثه عن جده؛ ليدعم تحركاته وتواصله مع الأحرار ويقوم بتمويلهم.
* كان كثير السفريات بين إب وتعز وذمار وصنعاء والحديدة، وكانت كلها بهدف اللقاء بزملائه الأحرار.
* عُرف عنه أيضا الجود والسخاء وعدم الاهتمام بجمع المال، بل كان كما أسلفنا، يبيع بعض ما يملك من ميراثه لتغطية نفقاته وحاجاته ونفقات إخوانه الأحرار.
* عند قيام ثورة 1948 الدستورية، تم تعيينه وكيل أول لمجلس الشورى الذي ترأسه سيف الإسلام إبراهيم.
* بعد قيام ثورة 48 مباشرة وصل إلى مدينة إب المناضل الثائر الأستاذ أحمد محمد نعمان رحمه الله ومعه مجموعة من المسلحين، واستقبله الشيخ حسن وسأله عن وجهته أجاب النعمان "إلى صنعاء"، وطلب منه التمهل وخاطبه بالقول “من سُمارة مَطْلَع، لا يعرفون قدرك” مدركاً بنظرته الثاقبة أن الثورة ستفشل ورد عليه النعمان “إنها ثورة يا عم حسن. جالس أنت بالعقل القديم”. فسكت الشيخ حسن. وفي اليوم الثاني ذهب النعمان إلى مقر إقامة الشيخ والتقى ولده عبدالكريم المرافق له وطلب منه أن يستأذن له والده لكي يودعه فرفض الشيخ حسن استقباله وقال “لا أحد يودع العقل القديم” فتوجه النعمان إلى صنعاء وعندما وصل إلى منطقة قرن ذمار أحاطت به مجموعة من القبائل وأسرته ومن معه، وتبادر إلى ذهن النعمان ما قاله الشيخ حسن، فقال لنفسه "صدق الشيخ حسن هذا هو العقل الحديث"، كما روى ذلك النعمان نفسه في مناسبات عدة.
* عقب فشل ثورة 48، توجه الشيخ حسن الدعيس مباشرة إلى مدينة عدن بحجة العلاج، ورافقه في هذه الرحلة ابنه عبدالكريم بن حسن (والدي) رحمه الله، وذلك في رحلة مضنية عبر البر مستخدماً فرسه ومتخذاً طريقاً غير مألوف له ولمرافقيه ماراً من منطقة العذارب، قعطبة، الضالع، لحج، وصولاً إلى عدن مقصده الأخير، لكي يلتقي الموجودين فيها من الأحرار والمعارضين للحكم الإمامي في شمال اليمن، ولما تتميز به عدن في ذلك الزمان من بيئة حاضنه للثوار والمثقفين وفسحة من الانفتاح ولتوفُّر الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المتاحة.
* بعد فشل الثورة الدستورية، أرسل الإمام أحمد حملة عسكرية إلى بعدان، والشيخ حسن لا يزال في مدينة عدن، وقامت تلك الحملة بهدم بيوت الشيخ حسن ونهب كل ممتلكاته وممتلكات عائلته وكل ما في منطقته من مال وسلاح وأثاث وغيره، كما تم اقتياد ابنه الأكبر محمد بن حسن إلى السجن في مدينة تعز وتشريد أسرته وأهاليه إلى القرى المجاورة، وكانت الحملة العسكرية على بعدان بقيادة محمد يحيى الذاري، ولم يُسلَّم للإمام الأحمد من تلك المسلوبات سوى سيف الشيخ سعيد بن غالب - جد الشيخ حسن، والذي كان يحظى - أي الشيخ سعيد بن غالب - بمكانة كبيرة لدى الإمام محمد حميد الدين والإمام يحيى حميد الدين.
* رفض الشيخ حسن الدعيس طلب المندوب البريطاني بالتدخل في شؤون اليمن لدعم الثورة والحكومة الدستورية بوصفه وكيل أول مجلس الشورى حين كان في مدينة عدن، وذلك بعد فشل ثورة 48 الدستورية، رفضاً قاطعاً، وقال بالنص الحرفي “يقول المثل اليمني: بالهندي ولا بالهند كله”. يقصد يضحي بنفسه ولا يضحي باليمن.
* قرر الشيخ حسن بعد ذلك مكاتبة الإمام أحمد طالباً منه الأمان ليعود إلى بلاده، فوافق الإمام أحمد في كتاب خطي معتمد بخطه، وأرسله إلى الشيخ حسن في عدن طالباً منه العودة “وله الأمان ولا يمسه سوء ولا مكروه”.
* عاد الشيخ حسن من عدن ووصل إلى مدينة تعز، وتوجه لمقابلة الإمام أحمد. وفي المقابلة وعد الإمام أحمد الشيخ حسن بإعادة بناء بيوته التي هدمت، وتعويضه عن الخسائر المادية الناتجة عن عملية النهب والسلب التي وقعت، ثم قال للشيخ حسن: أنت اليوم ضيف عامل تعز وغداً تتوجه إلى أهلك في بعدان دون تأخير.
وكان الشيخ حسن قد لاحظ عند دخوله لمقابلة الإمام أحمد وجود سيف جده الشيخ سعيد بن غالب معلقاً في أحد جدران المقام، ويبدو أن الإمام أحمد أراد بذلك التعرف على رد فعله ولكسر معنويته، وخاطبه الإمام بالقول “وإلى عند النصارى يا دعيس - يقصد الإنجليز في عدن” فرد عليه بالقول “لا يا مولانا ما نشتيكم إلا أنتم لكن نشتي تصَلحُوا” وبعد انتهاء المقابلة قام الشيخ وبدون استئذان من الإمام أحمد بأخذ سيف جده سعيد بن غالب المعلق على الجدار، فتفاجأ الإمام أحمد من تصرف الشيخ حسن وقال له “ما هذا يا دعيس”، فرد عليه الشيخ حسن "هذا - أي السيف - علامة ليتأكد الأهل والأصحاب أنني قد جئت من عند مولانا الإمام"، فسكت الإمام وانصرف الشيخ حسن.
* توجه الشيخ حسن إلى منزل عامل تعز “الباشا” لتناول طعام الغداء كما وجه الإمام بذلك. وما هي إلا ساعات بعد تناوله الوجبة حتى بدأ يشعر ببعض الأعراض والآلام، وتوجه صباح اليوم الثاني إلى مدينة إب وعندما وصل إلى هناك عرض نفسه على الطبيب الوحيد الموجود في المدينة في ذلك الزمان وكان يسمى ابن قاسم سلّام خريج بريطانيا، فأخبره الطبيب أن الأعراض التي لديه تدل على أنه تناول مادة سامة. وزاد المرض عليه وهو في طريقه إلى مسقط رأسه.
* وبمجرد وصول الشيخ حسن إلى مسقط رأسه في منزل سبأ عزلة الدعيس - بعدان زادت عنده أعراض التسمم وتجلت بالإسهال الشديد والقيء والآلام في البطن. وظل على حاله في ظل غياب أي عناية صحية حتى عملت فيه السموم عملها، حتى أنه لم يستطع مقابلة الناس الذين قدموا للسلام عليه بعد عودته من عدن، وكان يردد على سامعيه وهو يعاني من سكرات الموت "لقد عملها الطاغية ونفذها عامل تعز" ويرددها مراراً، وفارق الحياة بفعل السم واستشهد مغدوراً بعد أسبوع تماماً من عودته من مدينة تعز، وذلك يوم الأحد 5 شعبان عام 1367 هجرية عن عمرٍ ناهز 72 عاماً رحمه الله، بهذه الطريقة المعروفة لدى الحكام الطغاة للتخلص من معارضيهم التي تنم عن تغول الطاغية ونكثه للعهد الذي قطعه للشيخ حسن بعدم التعرض له بسوء، وهذا يدل على قسوة الأئمة على خصومهم السياسيين وحبهم للقتل بلا رحمة مستخدمين أساليب شتى، السيف والسم والغدر.
* وبعد دفن جثمان الشيخ حسن في المجنة، أرسل الإمام أحمد لجنة إلى بعدان بهدف فتح مجنة الشيخ حسن للتأكد من صحة وفاته ودفنه. غير أن حاكم بعدان - حينها - محمد شرف الدين، أخبر اللجنة المرسلة وشهد لله بأن الشيخ حسن قد توفي ودفن، وأنه - أي حاكم بعدان - قد شارك في وضع الجثمان “بالمجنة” (اللحد أو القبر)، وهو مسؤول عن شهادته. وبالتالي تراجعت اللجنة عن فتح “المجنة”.
* وبعد رحيل الشيخ حسن، تبخرت وعود الإمام أحمد المتعلقة بإعادة بناء البيوت التي هدمت، والتعويض عن الخسائر التي حدثت جراء النهب والسلب، بل أكثر من ذلك استمر حبس ولد الشيخ حسن الأكبر محمد بن حسن في سجن تعز، واستمر ارسال الحملات التعسفية المعروفة “بالخِطاط” لأسباب صغيرة أو مختلقة، لفترة تصل إلى سنة تقريبا، وقد أكلت تلك الحملات الأخضر واليابس المتبقي مع أسرة الشيخ حسن وأقربائه وجيرانه، وعاشوا حياة شظف وعناء واضطر البعض من أولاده إلى الاغتراب في الخارج منهم والدي في الولايات المتحدة الأمريكية وعمي الشيخ عبدالله حسن الدعيس في السعودية رحمهم الله، وكذلك الوالد الشيخ أحمد حسن الدعيس أيضاً في السعودية أطال الله في عمره، ولم يلتم شمل الأسرة ويعاد لها اعتبارها إلا بعد قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة.
- من تقديم السفير الدعيس للطبعة الثانية من كتاب الدكتور عبدالعزيز المقالح (حكيم الثورة حسن الدعيس)

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى