[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

خروق وكمائن واضطرابات سياسية لن تتيح مجالا لنجاح الدوحة في اليمن؟

من المتوقع أن تستأنف دولة قطر نهاية الشهر الجاري مساعي الوساطة لتسوية الصراع المحتدم بين الحكومة والحوثيين (شمالي اليمن)، بعد فترة تعليق استمرت ما يزيد على العامين منذ آخر مساعي لها بهذا الشأن عام 2008م والتي أعقبتها الحرب الخامسة بين الجانبين.

وكانت قطر قد بذلت جهودا مضنية لاحتواء القضية في صعده وإنهاء الصراع المتواصل بين الحوثيين والحكومة اليمنية منذ منتصف 2004م، وجاءت المساعي القطرية إثر قناعات ترسخت لدى السلطات بعدم جدوى أي مساعي وطنية لإنهاء الفتنة سلميا، الأمر الذي هيأ المناخات للقبول بالمساعي القطرية، في ظل تحذيرات تزعمتها المعارضة من خطورة تدويل القضية وأقلمتها.

ولقيت المساعي القطرية الأولى منتصف عام 2007م ترحيبا واسعا من الطرفين، لكنها على الرغم من ذلك غادرت دون انجاز مهامها التي نحرت على عقبات المماطلة بالتنفيذ، مصحوبة في نهاية المطاف بكمائن استهدفت أعضاءً منها بإطلاق النار عليها..

غادر الفريق القطري بصحبة اللجنة البرلمانية المشرفة على تنفيذ الاتفاق حاملين قناعات باحتمال تجدد المواجهات في أي لحظة ممكنة، وقال د.عيدروس النقيب عضو اللجنة البرلمانية: لا استبعد عودة مواجهات صعدة ولجنة الوساطة متوقفة من شعبان، وأضاف النقيب في تصريح للصحوة نت نشر في 25من ديسمبر2007م قوله: مهمة اللجنة الرئاسية بصعدة انتهت وإن لم يعلن ذلك، وبالفعل فقد أسدل الستار على المساعي القطرية بتكليف لجنة رئاسية ترأسها الشيخ فارس مناع منتصف ديسمبر ولذات الغرض ما دفع بأعضاء في اللجنة السابقة إلى دعوة لجنة مناع للاستفادة من تجربة لجنتهم والبدء من حيث انتهت، ومع أن هذه الأخيرة كانت تحث السير لانجاز مهامها، إلا أن عارضا قطع أمامها خط سيرها، تمثل في إحياء المساعي القطرية من جديد وهي التي لم تصل حد اليأس من إمكانية نجاحها في حل القضية الشائكة في صعده لتعاود مرة أخرى ولكنها هذه المرة كانت أكثر حيطة من حيث الترتيبات وأخذ الضمانات التي تكفل لها النجاح بناءً على وثائق وبرامج وخطط تنفيذ زمنية.

ماض لا يبشر بالنجاح

وكان لزوما إنهاء جهود اللجنة الرئاسية المتواصلة جهودها في الميدان، وقد أدت اتهامات وجهت لعبد القادر هلال بعلاقته بالحوثيين وما قيل حينها عن "بنت الصحن" إلى انسحاب الرجل، كما أدت اتهامات رئاسية للجنة صعدة بالفشل وتغيير مناع وإضافة سبعة نواب إليها إلى أن توقفت اللجنة لتتيح مجالا للقطريين، لكنها عاودت نشاطها مرة أخرى وبذات الطاقم اثر إعلان تعثر مساعي الدوحة، والغريب أن ذات المصير لاقته لجنة الوساطة وتم وقفها في السابع من فبراير 2007م ولم يقبل منها طلب منحها فرصة كافية لاستكمال جهودها في صعدة حسب صحيفة البلاغ التي نقلت عن اللجنة اتهامها الجيش بارتكاب انتهاكات في مديرية حيدان أدت لعودة المواجهات.

وتوجه في صباح الثلاثاء 29 يناير 2008م إلى الدوحة كل من د.عبد الكريم الإرياني وعلي محسن صالح قائد المنطقة الشمالية الغربية, وصالح هبره ويحيى الحوثي في وساطة الدوحة لإنهاء حروب صعدة، وفي الأول من فبراير2008م وقع كل من د.عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، وصالح أحمد هبرة عن عبد الملك الحوثي، وحمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية عن دولة قطر المشرفة على الاتفاق الذي تكون من 14 بندا ركز الأخير منها على سريتها وعدم جواز نشرها أو الإفصاح عن محتوياتها إلا لأطرافها أو لأغراض تطبيقها.

المعارضة رفضت الاستمرار في اللجنة الجديدة نظرا لسحب أعضائها من السابقة قبل إتمام مهامهم، ونعته النواب بالاتفاق المهين وطلبوا توضيحات من وزير الداخلية والدفاع عن الاتفاق لاعتقادات أنه قدم تنازلات كبيرة من قبل السلطة. وشكلت لجنة رئاسية وقطعت شوطا جيدا لتنفيذ بنودها ومنها سحب طلب تسليم يحيى الحوثي من الانتربول، غير أنها ولأسباب مجهولة توقفت في ذات المدى الذي وصلته سابقا، ما بين عائق الإفراج عن المعتقلين والنزول من الجبال، واعتبر الحوثيون حينها إن ربط الإفراج عن المحتجزين بالنزول من الجبال انقضاض على الاتفاق، لتتوقف المساعي القطرية وللمرة الثانية على قمم جبال عزان؟

تعثرت المساعي وقال عبده الجندي عضو اللجنة الرئاسية منتصف ابريل 2008م أن لجنة الاتفاق استدعيت إلى صنعاء ولا عودة لصعدة إلا بعد تأكدها من جدية الحوثي، ووصفت الحكومة اتفاق الدوحة بالغلطة التي جعلت من الحوثيين ندا للدولة ليوشك على أحداث أزمة في علاقة البلدين.

إن اتفاق الدوحة لم يكن كذلك عند توقيع كبار المسئولين عليه، والأشد غرابة السعي إلى استئنافه مرة أخرى بإرسال مهندس الاتفاق عبد الكريم الإرياني إلى الدوحة، أتوقع أن يكون اتفاقا مغايرا! إذا لم ينته بحرب أخرى كما انتهى سابقه بالحرب الخامسة التي استمرت حتى إعلان وقفها في 17 من يوليو 2008م.

الحوثي يتمسك باتفاق الدوحة

وحال اندلاع الحرب السادسة عرضت السلطة على الحوثي ستة شروط جديدة لوقف العمليات العسكرية، أبرزها الكشف عن مصير بقية الأجانب المختطفين وانسحاب كامل للمتمردين من الجبال والمديريات، وأرسلت لهذا الغرض رئيس الوساطة السابق فارس مناع، غير أن الحوثي جدد تمسكه باتفاق الدوحة حينها وقال المتحدث باسمه إن شروط السلطة الجديدة‎ لا تمثل حلا لقضية صعدة، مؤكدا ترحيبهم بكافة الوساطات وقال انه كلما جاءت وساطة حميدة أفشلها الرئيس وسلطته.

والملفت في الأمر أن السلطة التي رفضت في الأمس القريب العودة إلى اتفاق الدوحة هي من يدعو إليه اليوم، ما يعني أن قبول الحوثيين بشروط اللجنة الأمنية لوقف الحرب بعد إزاحة الألمان المخطوفين وإضافة شرط السعودية يعد مؤشرا على نجاح المساعي القطرية حينها والتي تم إخراجها على أنها شروط أمليت على الحوثي من قبل اللجنة الأمنية، تزامنت حينها مع مساعي مماثلة لتحركات عربية قادتها مصر والسعودية والأردن والإمارات وسورية لانتشال اليمن من فتنة صعدة والجنوب، وعلى هذا يتضح أن العملية برمتها مقتصرة على جانب التمويل لمواجهة ضغوط الحوثيين على الحكومة باتهامها بالتنصل من التزاماتها بإطلاق المعتقلين وهو ما وجه به الرئيس بإطلاق 400 من الحوثيين المعتقلين السبت الماضي وإعادة الإعمار، وهذا ما تعهدت به الدوحة بتقديم مبلغ يصل إلى 50 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار المناطق المتضررة جراء الحروب الماضية بين الجيش والحوثيين، إضافة إلى استكمال تخصيص المنحة القطرية المقدمة لليمن في مؤتمر لندن للمانحين 2006م والبالغة نصف مليار دولار.

ومن المستبعد أن تسعى السلطات إلى استئناف اتفاق سابق في وقت وقعت فيه على اتفاق تضن 22 بندا نص الأخير منها على إغلاق ملف الحرب نهائيا والبدء في الحوار السياسي.

وربما أدرك المسئولون في اليمن تغاضي السعودية عن وعودها بدعم الحكومة اليمنية لمواجهة مخلفات الحرب وإعادة الإعمار وربما لتمكنها من السيطرة على حدودها وحمايتها بشكل كامل من تسلل الحوثيين مجددا، أو لتأكدها من التدخل القطري، وهذا ما يمكن استنباطه من تصريح وزير التعليم العالي د.صالح باصرة الذي أدلى به الأحد 18 مايو الجاري حذر فيه أن السعودية لن تكون في مأمن إذا انهار الأمن في اليمن ودعا الرياض إلى مساعدة صنعاء على الخروج من أزماتها، وهو ما دفع باليمن إلى المسارعة لدعوة قطر حتى وان تكشفت الأمور التي لم يكن مخططا لها الظهور على الطاولة، وهي الدعوة التي لم تفكر الأخيرة كثيرا بإجابتها، بل سارع أمير الدولة لزيارة صنعاء شخصيا، وإعلان موافقة الدوحة على استئناف الاتفاقية بشروطها الخمسة بعيدا عن الشرط السادس الذي بدت اليمن الأكثر حرصا على إضافته، ويعلم الجميع أن بنود اتفاقية الدوحة تتضمن 14 بندا وليس خمسة فقط ما يؤكد أن اتفاق وقف الحرب السادسة هو اتفاق قطري ثالث وبامتياز.

أسرار اتفاقات صعدة

إن كان في الموضوع نوعاً من السرية فليس مستغربا حيث سبق وأنهيت الحرب الخامسة على اتفاق سري ولكن دون وسطاء، وتم عبر اتصال هاتفي بين الرئيس وعبد الملك الحوثي تمخض عن صفقة بين الرجلين يلتزم فيها الأول بتقديم تعويضات مالية وإعادة إعمار المنازل والمساجد والمدارس الحوثية، واعتماد رتب عسكرية ووظائف لجماعة الحوثي، مقابل موافقتهم على إعلان الدولة انتهاء العمليات العسكرية، وهزيمة الحوثيين، والتزام الصمت من جهتهم وعدم الكشف عن أي شيء مما جرى واتفق عليه، وعلى ذلك قبل الحوثي الصفقة بعد إضافته شروطا عليها منها: إطلاق المعتقلين، واستبدال الوحدات العسكرية التي قاتلت في صعده بأخرى جديدة، وعودة الوحدات العسكرية إلى مواقعها السابقة قبل الحرب، وتجنيد ألف شخص من كل مديرية في صعدة ليقوموا بمهمة حفظ الأمن، وتفعيل اتفاق الدوحة.

غير أن التساؤل يكمن خلف الدور المنتظر من الدوحة في المحافظات الجنوبية ترجمة لما وصفه وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي بقوله إن الزيارة تعكس الموقف القطري الثابت من الوحدة اليمنية، وتعبر عن رفض قطر لأي محاولة للمساس بالوحدة وبأمن واستقرار اليمن الذي يشكل ركيزة أساسية للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة، إذا لم يكن المراد منه الإيعاز إلى جهات أخرى كان المتوقع لها القيام بدور مماثل أو منفرد؟

وبالعودة إلى الاجتماع الذي جمع في صنعاء رئيس الجمهورية نهاية مارس الماضي باللجان الإشرافية على تنفيذ النقاط الست وناقش فيه مع أعضاء اللجان والقيادات العليا والرجل الأول في كل من محافظتي صعده وعمران ومندوبي الحوثي مستوى الإنجاز لتنفيذ المهام المناطة باللجان.

وفي خطوة أعقبت الاجتماع وأثارت في ذات الوقت الشكوك جراء تزامنها مع البدء في تنفيذ البند المتعلق بتسليم المعدات وإعادة الآليات والأسلحة المنهوبة المدنية والعسكرية، تم استبعاد أعضاء البرلمان من لجان تنفيذ بنود وقف حرب صعدة، كما تم إعادة تشكيل قوام اللجان الإشرافية بدمج لجنة الشريط الحدودي ولجنة الملاحيط لتصبح لجنة واحدة، وتعديل قوام اللجان لتصبح ثلاث موزعة على محور صعدة ومحور سفيان ومحور الشريط الحدودي والملاحيط، وبعدد أربعة من أعضاء اللجان من مجلس الشورى لكل لجنة من اللجان والذين واصلوا تنفيذ بقية البنود، فيما أعضاؤها من مجلس النواب يعودون لمواصلة أعمالهم بالبرلمان، والملاحظ أن مثل هذه الإجراءات تتكرر في اغلب المساعي أو يتم وقفها عند نقطة معينة ولأسباب مجهولة!

تداعيات الأزمة ومناهج الترحيل

انتهت المواجهات خلال الحرب الثالثة بتقديم الجهات الحكومية لبعض التنازلات في سبيل الوصول إلى إنهاء فعلي للازمة قبل أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة التي جرت في 20 من سبتمبر 2006م وذلك بتوقيعها اتفاق يهدف إلى إنهاء المواجهات مع جماعة الحوثي من خلال الحوار والتصالح بناءً على نصائح قدمها مقربون في الدولة في الوقت الذي كان الخناق اشتد على أنصار الحوثي أثناء اللحظات الأخيرة منها، مثلها في عملية التوقيع علي الاتفاق العميد يحي الشامي الذي عين على إثرها محافظا لصعدة خلفا للعميد يحي العمري، ووقع عليه من جانب الحوثيين عبد الملك الحوثي في الثامن والعشرين من فبراير 2006م نظير صفقة جرت بين الطرفين استفاد منها الحوثيون.

وسط يهفو إلى التعثر

إثر تعثر جميع الوساطات الداخلية في إنهاء حالة الحرب بين السلطة والحوثيين، دخلت الوساطة القطرية على خط الأحداث وأحرزت نجاحا في إنهاء الأزمة وذلك بالتوقيع على اتفاق الدوحة الثاني، في الثاني من فبراير 2008م، والذي أُعلن بموجبه وقف جميع العمليات العسكرية بين الجانبين لتنتهي بذلك الجولة الرابعة من جولات حروب صعده وبشكل نهائي.

وبذل الجانب القطري جهودا كبيرة لإنجاح الاتفاق الثاني الذي تبنته الدوحة، غير أنه لم يصمد سوى أربعة أشهر برغم التزام قطر بدفع جميع نفقات التعويضات وتكاليف إعمار المناطق المتضررة، لكن طرفي الأزمة ظلا يحملان بعضهما البعض مسؤولية خرق الاتفاق، التي كانت تحدث بين الحين والآخر، وهي ذات الصورة المستنسخة مما هو عليه الحال في الوقت الراهن بل وأكثر حدة من حيث تكرار الخروق والاغتيالات ونصب الكمائن وتوسيع دائرة الحرب لتشمل قضايا الثارات والحروب الأهلية والتي قد تكون الأكثر قدرة على تشييع كل اتفاق يعقد في هذا الصدد إلى مثواه الأخير، وتتيح تعددا لفرص الإطاحة بها أمام الأيادي التي واكبت جهودها جميع نسخ الحروب الماضية لتحول دون بلوغ نهايتها وعلى حد سواء سلما أو حربا،

حتى أضحت أصابع الاتهام توشك على الكشف عنها، وهو ذات الحال الذي ينساق على قصة التسلح الحوثي الغريب مع التغاضي طبعا عن حكايات الاستيلاء على معسكرات برمتها كما في قصة أو حادثة استيلاء الحوثيين على اللواء81 بمديرية شدا وقتل رئيس عملياته العقيد الردفاني وبجميع محتوياته من مصفحات وذخائر قدرت قيمتها بمليوني ريال.. وغيرها من المعسكرات ومصادر التسلح التي باتت تنقشع عنها الأستار بالقرب من مراكز القرار.. والتخوفات أن تكون جميع هذه المؤشرات تمتلك القدرة على إعاقة كل مساعي السلام حتى وان كانت مسنودة بمبالغ تفوق ملايين الدولارات الخمسين في وسط يفضل التعثر ولا يشجع على النجاح؟

زر الذهاب إلى الأعلى