[esi views ttl="1"]
arpo28

عام تمدّد المليشيات الدينية والفرز المذهبي

بدأ الحوثيون بالسيطرة على اليمن بقوة السلاح منذ عام 2011، حين سيطروا على محافظة صعدة، قبل أن يتمدّدوا في العام 2014 في عشر محافظات وهي: عمران، صنعاء (الضواحي)، أمانة العاصمة، الحديدة، حجة، المحويت، ريمة، ذمار، إب، البيضاء. ويلاحظ أنّ التمدّد الحوثي في اليمن كان له طبع إقصائي بأبعاد مذهبية.

وتتفاوت سيطرة الحوثيين من منطقة لأخرى، إذ ثمة محافظات تمت السيطرة عليها بعد مواجهات مسلّحة، وهي صعدة وعمران ونسبياً صنعاء والبيضاء. فيما جرت السيطرة على محافظات أخرى عليها تلقائياً في ضوء ما حدث في صنعاء، بحيث سقطت دون مقاومة من المواطنين أو السلطات. وهذه المحافظات هي: الحديدة، حجة، ذمار، إب، المحويت، ريمة.

ومن حيث قوة السيطرة، أحكم الحوثيون قبضتهم على صعدة، بسبب ما جرى خلال سنوات من تهجير لخصومهم واستفراد بالإدارة هناك، وبدرجة ثانية تأتي عمران، ثم المحويت في صنعاء (الضواحي). لكن يوجد في المحافظات الأخيرة نفوذ وسيطرة للقوى والتيارات الأخرى، وفي مقدمتها حزب الرئيس السابق علي صالح (حزب المؤتمر الشعبي العام). إضافة إلى ذلك، ثمة محافظات، ظل تواجد الحوثيين فيها رمزياً سياسياً محدوداً مهدداً بأية لحظة، وهي محافظات إب، والحديدة، وإلى حد ما، ريمة وذمار.

مذهبة الصراع
باستثناء صعدة التي مارس فيها الحوثيون نوعاً من السيطرة والإقصاء لخصومهم، تبقى جميع المحافظات التي توسعوا فيها خلال عام 2014 أقل فرزاً مذهبياً. وإن كان نفوذ زعيم "أنصار الله" الحوثي، الذي يقدّم نفسه كواجهة للمذهب الزيدي، يمكن أن يؤثر في أوساط نسبة من العوام. علماً أن المذهبية في اليمن سياسية تتأثر بمن يصعد إلى الحكم أكثر منها واقعاً اجتماعياً ملموساً ينقسم في ضوئه الناس على نحو حاد.

وقد حرص الحوثيون أثناء توسعهم، وخصوصاً في محافظات شمال صنعاء، على تفجير بعض المعاهد والمدارس الدينية المرتبطة بحزب "التجمع اليمني للإصلاح" (الإسلامي السني)، والسلفيين. وهو أمر قرأه البعض على أنه نوعٌ من التصفية المذهبية للتيارات الدينية الأخرى، في محاولة لجعل المناطق التي جرت فيها تلك التفجيرات حكراً للحوثيين ومنطقة تخصيب محصورة بهم.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث عبدالله الحرازي أن ما حدث في اليمن خلال 2014، قد تسبب في "إعادة أمور كثير إلى طاولة النقاش الفردي والعام، وبالتالي نشوء أنماط تفكير ما كنا نعتقد أنها ستنوجد يوماً في المجتمع اليمني، الذي نجا طيلة قرون بوسطيته، من الفرز الطائفي المقيت".

ويضيف أن اليمني "كان ينظر إلى ما يحدث في العراق مثلاً، على أنّه حماقة صرفة بين أبناء شعب واحد. لم يهدر اليمني قبلاً، دقيقة من تفكيره في صراع "السقيفة" مثلاً، وباقي الإشكاليات التاريخية. كان قد وصل إلى التفكير بالصندوق الانتخابي وحقوقه وفرصه كمرشح أو ناخب، لكن هذه الانتكاسة التي جلبتها المليشيا قادته إلى التفكير بورطة اليمني مع قريش التاريخية برمتها وهو يرى إفرازاتها المسخ تحاول بعد 1400 عام أن تنتصب حائلاً بينه وبين المستقبل. وبات الموضوع الديني برمّته محل نقاش عام يتسع يومياً لصالح طرح العلمانية كحل في مواجهة هجمة رجعية بملامح ثيوقراطية كريهة".

نكبة المشيخة
كان النفوذ في عمران لأولاد الأحمر، شيوخ حاشد، وأيضاً لحزب "الإصلاح" واللواء علي محسن الأحمر. وكان التغير الأبرز في 2014 هو تراجع هذه القوة في المحافظة، وكذلك في بعض مناطق صنعاء.
انزاحت هذه الأطراف، التي كانت أبرز قوى الثورة في 2011، لصالح الحوثيين الذين استفادوا في الأساس من آثار الانقسام السياسي على خلفية الثورة مع أو ضدّ صالح. وبذلك احتفظ صالح بجانب من نفوذه وفقد جزءاً من قاعدته لصالح الجماعة، وهذا ما أصبح واضحاً من خلال تأييد بعض عناصر حزبه للحوثي. غير أن صالح وبما يمتلكه من نفوذ في هذه المناطق، وخصوصاً في صنعاء، ذمار، عمران، يمكن أن يتفوق على الحوثيين، ويساعده في ذلك أخطاء جماعة الحوثي وخصوماتها مع أنصار القوى الأخرى التي تزحزت أو بقيت ضعيفة.

إضافة إلى ذلك، أصيبت سلطة المشيخة في مناطق شمال الشمال بنكبة كبيرة جراء سياسة الاذلال والترهيب، التي مارستها جماعة الحوثي ضد مناوئيها من وجهاء القبائل وتفجيرها لمنازلهم ومصادرة بعض أملاكهم.

تبعات ديموغرافية
ويرى رئيس مركز "الجزيرة العربية للدراسات"، نجيب غلاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التوسع الحوثي يعتمد على الفئات الشابة الأشد فقراً في منطقة القبائل و"يستغل البطالة وندرة الموارد في هذه المناطق وإعادة تعبئتها وتوظيفها في مشروع أصولي عرقي لديه طموحات كبيرة في تغيير تركيبة القوة ليتمكن من الحكم. غير أنّ التركيبة السكانية لا تعمل لصالحه؛ فهناك كتلة واسعة خصوصاً في العاصمة لا يمكن للحوثية أن تبتلعها، كما أن الهجرة إلى صنعاء تتزايد، وبالذات من مناطق الوسط والجنوب. لكن الحوثي يراهن على القوة المقاتلة للكتلة السكانية لمنطقة القبائل، لذا يعتمد سياسة افقارها وإدخالها في نزاعات واسعة مع الباقين. وهو يعتمد على أيديولوجية عصبوية دينية وقبلية وقد يخطط لتهجير السكان من أمانة العاصمة في حالة واجه تهديدات فعلية في المناطق الشافعية، وليس ما يحدث في البيضاء إلا عينة واضحة".

ويتابع غلاب أن "الحوثي ومليشياته يعمدان لإذلال تهامة (الحديدة) بسبب فقرها وعدم قدرتها على تمويل حروب كالحوثي، الذي يتلقى الريع الإيراني والمراجع الدينية الشيعية في الوطن العربي، إضافة إلى ريع مافيا تهريب السلاح والمخدرات في صعدة، بينما تبدو تعز ومحافظات الجنوب بفعل تركيبتها وامتلاك تعز لرأس المال، أكثر قدرة على مواجهة الحوثي، الا أن الأخير يخطط، مستغلاً الفقر والكتل الشابة، للاستيلاء على الدولة وتحويل قوتها إلى ما يملك وتوظيف كل ذلك لإنتاج حروب في الداخل والخارج".

وفي تقدير غلاب، أنّ الحوثية "تهدف عبر حروبها وتوسعها الراهن وإضعافها للدولة ومخططاتها إلى الوصول للانهيار الاقتصادي، إلى إحداث تغيرات ديموغرافية تمكّنها من إذلال اليمن عبر بنية مليشاوية تريدها الذراع القسرية الأصل لفرض إرادتها وتمكين مقولاتها العقدية العنصرية من العمل عبر استغلال الكتل السكانية وبعث الصراعات في أوساطها والتحكم فيها".

ويعتقد رئيس مركز "الجزيرة العربية للدراسات" أن الأهم هو أنّ التركيبة الديموغرافية لأمانة العاصمة وتركُّز الأعمال فيها وتعاظم قاطنيها، جعل سكانها، وأغلبهم من جغرافيا متعارضة مع الحوثي، رهينة بأيديهم ومن خلالها يهددون سائر البلاد؛ فهي كالأسيرة التي يتم استغلالها لإخضاع اليمن".

غير أنّ الباحث الحرازي يرى أن من المبكر الحديث عن تغيير ديموغرافي ملحوظ بالمعنى الدقيق للكلمة "لكن هذه هي الخشية من مآلات الأحداث كنتيجة لهذه الشروخ والتصدعات الاجتماعية التي تحدثها فوضى الحركة المليشياوية في البلاد؛ ثمة ملامح أولية تتجلى في عملية التهجير التي لحقت بجزء من يهود اليمن، ثم بسكان منطقة دماج بصعدة (السلفيين) مثلاً، تليها حركة نزوح مؤقت أو متوسط المدى في كل مناطق الصراعات التي أشعلتها المليشيا"، معتبراً أن ذلك "هو ما يجعلنا نخشى أن هذا التجريف الجائر لبنية المجتمع اليمني المتعايش، يجعلها في خطر حقيقي قد يؤول إلى مراحل فرز مجتمعي تالياً، ثم إحداث تغيير سلبي ديموغرافياً على شكل كانتونات أو غيتوهات لكل فئة مثلاً. والمتضرر هنا في كافة الأحوال هي الأقلية سواء انتصرت واستقرت لها الأمور أم لا".

وعن توقعاته للعام 2015، يجزم الحرازي أن اليمن بلد لا يصلح إطلاقاً لطرح هذا السؤال، فاليمن بنظره "بلد المتناقضات والمفاجآت الدائمة بامتياز. لم يحدث أن انضبط فيها توقُّع لأيٍّ كان، طوال تاريخها".

زر الذهاب إلى الأعلى