[esi views ttl="1"]

المصالحة اليمنية العاجلة والجهود السعودية.. الفرص والأخطار!‏

وصلت الجماعات المسلحة أطراف العاصمة بأبعاد ماضوية وطائفية تهدد الدولة والسلم ‏الاجتماعي وتنذر بحروب وخراب في اليمن يصعب تصوره إلا باستحضار المشهد العراقي ‏الذي أعقب إسقاط الكيان الوطني وإحلال الجماعات الطائفية والميلشيات، كما يمكن استحضار ‏نموذجي الصومال (التشرذم واللادولة) والسودان (التقسيم). ‏

وفي مؤشر مهم عبر عن موقف مريب، طالب مجلس الأمن الجيش اليمني ب"الحياد"، وذلك ‏يعني توسع الجماعات المسلحة دون اعتراضها من القوات الحكومية المكلفة بفرض هيبة ‏الدولة واحتكار القوة لتطبيق النظام والقانون على الجميع. ووفقاً لمطلب الحياد، يحاول بعض ‏المواطنين الدفاع عن مناطقهم وقراهم فيتم تصنيفهم كطرف في "صراع" مع أنه توسع واضح ‏لميليشيا جماعة منظمة خاضت مواجهات مع مختلف الأطراف من صعدة إلى عمران وحتى ‏صنعاء. ‏

‏**‏
الوضع باختصار: وصول خطر انهيار الدولة وسقوط العاصمة بأيدي الجماعات المسلحة إلى ‏مرحلة لم يسبق أن حصلت ربما منذ ستينات القرن الماضي، خصوصاً أن الجيش حول ‏صنعاء تم تفريغه وتقييد باقيه بوصفه "محايداً"، بالتزامن مع أزمة اقتصادية وانسداد سياسي.. ‏هذا يعني أن سقوط مركز الدولة وارد خلال أسابيع أو شهور. ‏

وما دام القائمون على السلطة يصفون أنفسهم محايدين وينقلون المعسكرات للحرب مع ‏‏"القاعدة" في الجنوب ولا يعيدونها، فإنه لا يوجد خيار إلا المصالحة بين كافة الأطراف ‏السياسية للمحافظة على السفينة التي يستقلها الجميع المهدد بالغرق رغم اختلافاته. والخيار ‏الآخر هو حروب أهلية وتصفيات مذهبية ومناطقية على الهوية. ‏

أمام هذا الخطر الكبير.. لا مكان للسؤال عن أطراف المصالحة وعن جدية كل طرف من ‏عدمها. جيران اليمن على رأسهم السعودية يشعرون بالخطر المباشر على أمنهم الإقليمي ‏جراء ما يحدث في اليمن، أي أن الخطورة الكبرى على اليمن ليست في خانة المتوقع بل ‏الواقع الذي أصبح على أبواب العاصمة. وإرسال المملكة لمبعوث يدعم المصالحة خطوة ‏تاريخية في ظرف حرج وفرصة حقيقية لدعم الهدف الذي يسعى إليه كل شريف في الداخل.‏

‏**‏
من يتحالف ضد من؟ هذه دولة قائمة منذ العام 1962 ومن عام 1990 وفيها العديد من ‏الأطراف المعنية بإدارتها والمسؤولة عن رعاية مصالح الشعب فيها، ممثلة بالأحزاب ‏والأطراف الرئيسية التي اختلفت واتفقت حول السلطة، لكن الخطر الجارف ينذر بحروب ‏أهلية و"صوملة" و"عرقنة"، تسود فيها الجماعات المسلحة من خلفيات طائفية ومناطقية ‏‏(قاعدة، حوثي، وغير ذلك) بدلاً عن الأطراف السياسية التي مارست السياسة بالخطأ والصواب ‏وكاد الوطن يسقط كنتيجة لصراعاتها. ‏

هذه الأطراف السياسية، على تنوع خلفياتها وعلى حجم إسهامها في الخراب الحاصل، هي ‏المسؤولة عن التصالح العاجل وطي الماضي لإنقاذ الدولة. وقد أوضحنا في تناولات سابقة أن ‏اليمن اليوم يمكن مقارنته في صومال ما قبل انهيار الدولة مع ما يؤخذ عليها من أخطاء مقابل ‏وضع ما بعد انهيارها، وكذلك وضع عراق ما قبل 2003 وعراق ما بعده الذي سقط فيه البلد ‏إلى حفرة يصعب الخروج منها. أي: عندما يخرج الأمر عن السيطرة. ‏

‏**‏
ما يحدث في اليمن يهدد مباشرة أمن الدول الإقليمية والعربية، حيث أن جزءاً مما يهدد اليمن ‏هو حاصل من آثار سقوط العراق، فلم يكن التدخل الخارجي والتهييج الطائفي المدعوم من ‏أطراف إقليمية ودولية مثلما هو حاصل بعد غزو العراق، ما يدل على التأثر المباشر للدول ‏العربية بأي كارثة تصيب أي بلد عربي آخر.. يضاف إليه ما هو الأهم، وهو تأثير اليمن ‏المباشر على جاره الأكبر والأهم المملكة العربية السعودية وعلى المنطقة والعالم بحكم الموقع ‏الاستراتيجي. ‏

الأطراف البديلة الصاعدة في اليمن كما هو واضح هي جماعة الحوثيين المُشجعة من ‏أطراف تستهدف السعودية، وكذلك التنظيمات الإرهابية القاعدية التي تعلن العداء المباشر ‏للمملكة.. وحتى لو أرادت جماعة الحوثي سياسة تطبيع مع الرياض لن يكون بإمكانها ذلك لأن ‏الأطراف التي تقوي الجماعة وتصعدها تفرض عليها تالياً تحقيق أهدافها وخوض حرب ‏بالوكالة، مهما كان ذلك لا يخدمها. ‏

وبالبناء على ما سبق، من البديهي والواجب والذي تفرضه عوامل عديدة أقلها وحدة المصير ‏أن تكون المملكة هي الطرف الإقليمي الأول المعني بالإسهام بدور يمنع مزيداً من الانزلاق. ‏بغض النظر عن الأطراف المعنية بالمصالحة في الجانب اليمني، كما يحاول أن يصور من ‏يغرقون بالتفاصيل ويتجاوزون القضية الأهم ممثلة في الخطر. ‏

‏**‏
المصالحة هي الخيار الإجباري الأول وربما الأخير أمام الأطراف المحلية، والذي يرفض ‏المصالحة ويضع الأعذار والأشواك هو إما لا يستشعر درجة الخطر والوضع الذي آلت إليه ‏البلاد أو ما يمكن أن تؤول إليه، أو أنه يعمل لمصلحة الأطراف التي تسوق البلاد إلى مربعات ‏الخراب والاحتراب، داخلية أو خارجية. ‏

البعض يبدو وكأنه يتحدث عن "تحالف" ترفي لحصد ثمار أزمة أو كردة فعل على صدمة ‏هنا، أو هناك.. ما يجب أن يعلمه الجميع هو أن الجيش شبه منهار، في 94 كان أحزاب ‏متحالفة بيدها جيش ومؤسسات دولة وكان الهدف الحفاظ على دولة الوحدة التي أوشكت على ‏التشطير من جديد ولم يكن الخطر على مركز الدولة ذاته، وليس من طرف بديل سيأتي للحكم، ‏وإنما تهديد بالفوضى والاحتراب. ‏

الوضع اليوم مختلف.. فالجيش مدمر ومخطوف والجماعات المسلحة توشك إسقاط الدولة.. ‏المصالحة ليست "مع" أو "ضد"؟ مصالحة لمن يؤمن باليمن وطناً للجميع وبالمبادئ الأساسية ‏للدولة.. سواء كانت الأطراف المعنية متحالفة أم متخاصمة. ‏

‏**‏
الواجب على كل طرف يمني وعربي أن يستشعر درجة الخطر، ودور السعودية الاستثنائي ‏وإن جاء متأخراً هو فرصة حقيقية ودعوات المصالحة وإن جاءت متأخرة إلا أن البديل عنها ‏الهروب كل إلى منزله للتحصن.. إذ لن تكون هناك فرصة للقيام بأي دور لأي طرف إذا ما ‏خرج الوضع عن السيطرة. ‏

المؤتمر ليس مطلوباً منه أن يتحالف مع "الإصلاح" ضد "الحوثي"، لأنه أولاً وأخيراً معني ‏مباشر بالدفاع عن الدولة وعن الجمهورية والسلم الاجتماعي، سواء بوصفه أبرز القوى ‏السياسية في الساحة وأمامه مسؤولية وطنية وتاريخية أو بوصفه طرفاً لا يستطيع النجاة إذا ما ‏وصلت البلاد إلى لحظة الانهيار، وفي ظرف تصعد فيها "الجماعات" من خلفيات طائفية ‏ومناطقية على حساب القوى السياسية بمختلف انتمائها. فالمؤتمر هو المعني قبل الإصلاح أو ‏ك(الإصلاح)، والبلد ليس بلد "الإصلاح" حتى تتركه الأطراف الأخرى فريسة للفوضى ‏والخراب. ‏

حتى الحوثيين أنفسهم والجماعات التي يتم تشجيعها تعتقد أنها طرف مرغوب للسيطرة وفي ‏الواقع لا يراد منها سوى أن تكون أداة ضمن أدوات تغرق فيها البلاد بصراعات تذهب ‏بأنصارها وخصومها في خاتمة المطاف.. والمصالحة لإنقاذ الدولة هي إنقاذ للجميع بما فيهم ‏الجماعات التي يتم تشجيعها للانتحار في صراع أهلي مدمر.‏

زر الذهاب إلى الأعلى