[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

التوحد والانفصال في اليمن.. من الإمام إلى السلطان *عبدالفتاح البتول

من الحقائق الراسخة والقواعد الثابتة أن من أسباب تقسيم وتمزيق اليمن في بعض الفترات التاريخية، يعود لظهور وانتشار الدعوات المذهبية والطائفية المخالفة للمنهج الإسلامي الصافي والشرع الحنيف والرسالة السمحاء.

فقد كانت اليمن آمنة مستقرة موحدة في ظل الخلافة الإسلامية منذ الدولة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية وشطرا من الدولة العباسية، كانت اليمن خلال هذه الفترات جزءاً من الخلافة الإسلامية وولاية من ولاياتها، حتى ظهرت الدعوات المذهبية والحركات الطائفية والتي تنحو منحى الصدام الذي يهدف لتوطيد معتقد جديد على المجتمع، كالفكر الإسماعيلي الفاطمي والفكر الشيعي الهادوي والفكر الخارجي والقرمطي، تأسيس دولة إسماعيلية باطنية على يد علي بن الفضل سنة 268ه ودولة شيعية زيدية على يد يحيى بن الحسين سنة 284ه، إن هذا التأسيس كان انفصالاً عن الدولة العباسية وتمرداً على الخلافة الإسلامية، إلا أن هذا الأمر لم يحل دون نشوب حروب عنيفة ومواجهات دموية بين الحزبين الشيعيين الإسماعيلي والزيدي تلك الحروب الطاحنة التي جرت بين الدولة الصليحية الإسماعيلية وبين الأئمة من بيت العياني. وقد شهدت اليمن خلال الفترة (439 – 552ه) الوحدة في ظل نظام مركزي أقامه الملك علي بن محمد الصليحي اختفت أثناءه الإمامة الزيدية، وبعد سقوط الدولة الصليحية وعودة الإمامة في عهد الإمام أحمد بن سليمان 532 – 565ه دخل الأئمة في صراع بين الأسر والبيوت الهادوية والفاطمية.

وعندما قامت الدولة الرسولية سنة 626 ه على أنقاض الأيوبيين، تمكن بنو رسول من القضاء على الأئمة الزيدية وتضييق نفوذهم في أجزاء من صعدة، مما سهل على الرسوليين توحيد اليمن من حدود الحجاز إلى حدود عمان وخلال فترة حكمهم التي استمرت أكثر من 200 سنة (626- 858ه) شهدت اليمن استقراراً وأمنا وتطوراً في المجالات العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات التي لا تحدث إلا في ظل دولة مركزية قوية وموحدة بعيدة عن التعصب الطائفي والاستعلاء السلالي والحق الإلهي في الحكم والعلم والتفوق العنصري والتمايز الطبقي.

وبعد سقوط وانتهاء الدولة الرسولية قامت الدولة الطاهرية (858 – 945) والتي دخلت في صراعات مستمرة مع الأئمة الزيدية الذين تعاونوا مع المماليك ضد الملك عامر بن عبدالوهاب، الذي مات متأثرا برصاصة أثناء الحرب مع المماليك والإمام شرف الدين، وبعد سقوط الدولة الطاهرية وخروج المماليك سنة (945ه) دخل الأئمة في صراع وحروب مع العثمانيين الذين حكموا اليمن المرة الأولى (945- 1045ه) واستطاعوا هزيمة الأئمة الزيدية وإخضاع اليمن لحكمهم، وبعد ظهور الإمام القاسم بين محمد سنة 1006ه، عاد الصراع بين العثمانيين والأئمة الزيديين وأدى إلى عقد صلح بين الأتراك والإمام القاسم الذي حصل على شرعية النفوذ في المناطق الشمالية وأقر بشرعية الوجود التركي في اليمن.

وعلى إثر خروج الأتراك اتسع نفوذ الإمامة الزيدية لأول مرة في تاريخهم، وبلغ تمكن الرسيين من إقامة دولتهم التي طالما حنوا إليها وضحوا من أجلها، قد دخلت جميع أجزاء اليمن تحت نفوذ الدولة القاسمية، في عهد الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم (1054- 1087ه) الذي في عهده تحققت الوحدة اليمنية 2، وهي المرة الأولى والأخيرة التي حكم فيها الأئمة الزيدية اليمن الطبيعية لمدة ربع قرن تقريباً في عهد المتوكل إسماعيل، الذي تمكن من السيطرة على اليمن بداية من العام الثاني من حكمه سنة 1055ه باستعادة عدن ولحج ثم أبين ويافع وانتهاءً بشرق اليمن حضرموت، وما حولها سنة 1069ه/ 1659م.

وفي عهد المؤيد محمد بن المتوكل إسماعيل (1092- 1097ه) بدأت بعض المناطق الجنوبية والشرقية تتمرد على حكم الإمامة وتخرج عن حكم الأئمة، وفي عهد الإمام المهدي محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم (1097- 1130ه) شكل سلاطين يافع تحالفاً ضد الحكم الإمامي، وفي هذه الفترة خرجت حضرموت من حكم الإمامة، ثم انفصلت بلاد يافع، وفي عهد الإمام المنصور حسين بن المتوكل قاسم (1139- 1164ه) تمكن سلطان لحج علي السلامي العبدلي من فصل لحج وعدن وذلك سنة 1145ه الموافق 1731م، وهذا هو الانفصال الأخير والنهائي والذي استمر حتى قيام الوحدة سنة 1990م.

وبعد مائة عام من هذا الانفصال، وبينما كانت المناطق الشمالية والغربية تحت حكم الأئمة، والمناطق الجنوبية والشرقية تحت حكم السلاطين في هذه الأثناء احتل الإنجليز عدن سنة 1255ه/ 1839م، بينما عاد الأتراك للمرة الثانية وحكموا المناطق الشمالية، وبعد خروج الأتراك واستقلال الإمام يحيى باليمن الشمالي فإنه التزم الحياد السلبي مع بريطانيا ووقع مع الاحتلال البريطاني معاهدة صداقة وتعاون وأقر بالحدود الشطرية التي فرضتها بريطانيا وبذلك شدد الإنجليز من قبضتهم على عدن والسلطنات، وخاصة بعد أن التزمت بريطانيا بدفع رواتب شهرية مغرية للسلاطين لضمان ولائهم ولحماية الاحتلال، وفي سنة 1954م وضعت بريطانيا مشروع الاتحاد الفيدرالي بين السلطنات والإمارات، وفي سنة 1959م أعلنت عن قيام اتحاد إمارات الجنوب، وفي الوقت ذاته قام الاحتلال البريطاني بتكوين مجلس تشريعي خاص بعدن واعتبارها دولة مستقلة، ومن هنا جاءت فكرة ومخطط إقامة دولة الجنوب العربي والتي تتكون من الاتحاد الفيدرالي السلاطيني ودولة عدن، وكان ذلك سنة 1961م حيث قام وزير المستعمرات البريطاني بزيارة عدن وأجرى امتيازات مع وزراء حكومة عدن ورؤساء وزعماء دولة الاتحاد الفيدرالي السلاطيني.

• عبدالفتاح البتول
• كاتب وباحث يمني
• صحيفة الناس

زر الذهاب إلى الأعلى