[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

إيران ولعبة الحكم!!

باعتبار الديمقراطية شكل من أشكال الحكم، يكون فيها الحكم لأكثرية الشعب مع حماية وصيانة حقوق الأقليات الدينية والعرقية وضمان تداول السلطة سلميا لجميع المواطنين، ابتدع الحكم الديمقراطي من أجل الحفاظ على هذه الحقوق ومعها بعض القيم الأصيلة التي تعد حيوية بالنسبة للمجتمعات البشرية كالحرية والمساواة والعدالة.

إن الحكم الديمقراطي ترجع جذوره إلى نظام الحكم في أثينا الديمقراطية رغم اختلاف هذا الأخير مع الأنظمة الديمقراطية الحالية. وبعد رقي الشعوب وتطورها واحتضان بعض الدول للفكر الديمقراطي والترويج له أصبحت موجة الديمقراطيات في عصرنا الحديث أي في القرن العشرين تتوسع يوما بعد يوم. وهذا ما جعل الكثير من الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في العالم تتستر باسم الديمقراطية لإضفاء الشرعية على حكمها وتصرفاتها. والفرس وجمهوريتهم الإسلامية بتركيبة حكمها المعقدة والفريدة من نوعها جذبت الكثير من الباحثين والمهتمين بالفكر الديمقراطي أن يجتهدوا في أبحاثهم حولها لكشف ما يُخفى عن الرأي العام.

إن رأس السلطة في الدولة الفارسية(إيران) طبق الدستور هو المرشد الأعلى(ولي الفقيه) وله حق ولاية الأمة ليدير شؤونها السياسية والدينية. ومن أهم صلاحياته 1 - إقرار السياسات العامة للبلاد ومراقبة تنفيذها 2 – إصدار مرسوم الانتخابات العامة 3 – إصدار القرارات المهمة للقوات المسلحة 4 – إعلان الحرب والسلم والتعبئة للقوات المسلحة 5 – تنصيب وإقالة أو قبول استقالة الشخصيات التالية (فقهاء مجلس صيانة الدستور – رئيس السلطة القضائية – مدير الإذاعة والتلفزيون – رئيس أركان الجيش – القائد العام لقوات الحرس الثوري - جميع القيادات العليا للقوات المسلحة وأجهزة الأمن الداخلي المختلفة) 6 – حل النزعات والخلافات التي تنشب بين مختلف أجنحة القوات المسلحة 7 - تنظيم العلاقات بين السلطات الثلاثة 8 - الفصل في القضايا والنزاعات المعقدة التي لا تحل بالطرق المألوفة وذلك من خلال الاستعانة بمجلس تشخيص مصلحة النظام 9– التصديق على ولاية رئيس الجمهورية بعد الفوز بالانتخابات وأيضا التصديق على استيفاء مرشحي الرئاسة للمؤهلات المطلوبة 10 - إقالة رئيس الجمهورية بعد إدانته من قبل القضاء أو بعد سحب الثقة منه من قبل مجلس الشورى 11 – إسقاط أو تخفيف أحكام المدانين. كما من حق المرشد أن يفوض بعض الشخصيات ويمنحها بعضا من صلاحياته. وهناك الكثير من المؤسسات والمنظمات التي لا تتبع ولا تأتمر من جهة أخرى إلا المرشد ومن أهمها مؤسسة الشهيد، مؤسسة الإسكان، حركة التعليم، المجلس الأعلى لثقافة الثورة، منظمة الدعاية الإسلامية، لجان الأرض ومؤسسة المظلومين. كما إن للمرشد أكثر من 2000 ممثل يتوزعون على مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها في داخلها وخارجها ويُعدون عيونا له لمراقبة الآخرين.

لذلك الكثير من المهتمين في الفكر الديمقراطي استنادا للصلاحيات غير المحدودة التي يتمتع بها المرشد(ولي الفقيه) يرون خرقا فادحا لكل أشكال الديمقراطيات العالمية. لأن الصلاحيات التي يتمتع بها المرشد تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الشورى وجميع مراكز القرار الأخرى في إيران بل حتى تفوق الصلاحيات التي كانت تتمتع بها الطاغيات المستبدة في العصور الوسطى. كما يوجهون نقدا لاذعا استنادا إلى بعض النقاط الجوهرية في تركيبة هذا النظام التي من خلالها ينفون وجود الديمقراطية ويدللون على ديكتاتوريته من أهمها:

1 - طريقة انتخاب ومراقبة المرشد أثناء أداء واجباته ومسؤولياته. إن المرشد يُنتخب ويُراقب من قبل مجلس خبراء القيادة وهذا المجلس بدوره يُنتخب من قبل الشعب مباشرة ولكن مكمن المشكلة يقع في تقييم مرشحي مجلس الخبراء وتحديد أهليتهم للترشح أو رفضهم. فهذه المهمة تقع على عاتق مجلس صيانة الدستور المجلس الذي ينصب نصفه المرشد والنصف الأخر ينتخبه مجلس الشورى الإسلامي من قائمة يعينها رئيس السلطة القضائية المنصب من قبل المرشد. لذلك إن عملية انتخاب ومراقبة سير أعمال المرشد مجرد لعبة سياسية يٌخدع بها الشارع العالم داخليا وخارجيا. لأن المرشد بطريقة غير مباشرة هو الذي يحدد صلاحية وأهلية ويقيّم من سيكون مستقبلا مراقبا له .

2 - أثناء سن الدستور الإيراني بقي حيز واسع لتداخل وتشابك صلاحيات واختصاصات أجهزة الدولة المختلفة مما يفتح الباب على مصراعيه للخلافات بينها وهذا ما يستدعي دستوريا المرشد ومجلس تشخيص مصلحة النظام المنصب من قبل شخص المرشد للتدخل المباشر والفصل في القضايا العالقة وحل الخلافات. لذلك إن هذا التداخل في الصلاحيات ما هو إلا باب من أبواب كثيرة فتحه رجال الدين لممارسة الديكتاتورية في الدولة الفارسية وتغليب وجهة نظر المرشد وتياره على حساب التيارات الأخرى وهذا ثُبت أثناء تدخل المرشد ومجلس تشخيص مصلحة النظام وفصلهم في القضايا المختلف عليها.

إن المهتمين في الفكر الديمقراطي يقارنون بين نظام الحكم الإيراني الحالي بعلاقته المعقدة مع المرشد الأعلى وبين الأنظمة الديمقراطية الأخرى في العالم ويكشفون عن الفارق الشاسع بين الديمقراطيات الحقيقية في العالم وبين ديمقراطية ولي الفقيه التي يتشدق فيها الإيرانيون.

ويرون جوهر الدكتاتورية يقع في شكل ومحتوى الدولة الإيرانية وهيراركية نظامها. ويتحدثون عن عدم جدوى صيحات البعض الداعية للإصلاحات في إيران في ظل النظام الحالي، بسبب التركيبة الخاطئة في مؤسسات الحكم ومصادر القرار. ويستنتجون إن لا حل أمام النظام للخروج من مأزق الديكتاتورية التي تعيشها إيران إلا بالرجوع للشعوب ومنحها حقها في تقرير مصيرها وتعيين شكل الحكم التي ترغب فيه وترتضي له.

• إبراهيم مهدي الفاخر
• كاتب أحوازي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى