[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

حكاية فارس والرئيس

ميادين الصراع السياسي في أمريكا هذه الأيام هي دواوين القات، فالخلافات السياسية تجعل من التخزينات والكيف أكثر متعة. أجهزة الكمبيوتر الموصلة للإنترنت تجد مكانها إلى جانب قوارير الماء والبيبسي التي يحتاج لها المخزنين. من مواقع اليوتيوب إلى موقع الفيس بوك إلى مواقع الصحف والقنوات العربية واليمنية يتنقل المخزنون، ويتحولون إلى محللين ومحررين سياسيين.

في وسط الديوان قعد فارس، وهو ينظر إلى من حوله في الديوان وكأنه يعُدُ من معه ومن ضده، فحلفاؤه هذه الأيام قليل، فهو مؤيد للرئيس على عبدالله صالح. يعلنها فارس بكل فخر، وبكل اعتزاز، ويتصدى بصوته المرتفع لكل من في الديوان بحججه التي يستقيها من القناة الفضائية اليمنية التي أصبحت المصدر الوحيد لأخباره. عندما يأتي ذكر الرئيس علي عبدالله صالح ينتصب فارس في مكانه، وينصت لكل كلمه وهو يعد الجواب لها، والرد علي قائلها. يستغرب من حوله كيف يكون شخص مثل فارس مع الرئيس، ويترك شباب اليمن الثائر، الحر الذي يموتون وهم ينادون للحرية والكرامة، ولنهاية استبداد الملكية الجمهورية الصالحية. لكن فارس يرى المسألة مختلفة، فهو يرى في الميدان علي عبدالله صالح ضد الإصلاح والإشتراكي وباقي الأحزاب، ولذلك فالمسألة بسيطه وخياره لتأييد الرئيس أبسط. فارس يؤمن بالحرية ولذلك فهو يخاف أن يصعد الأصلاح ويحولوا اليمن إلى دولة دينية مشابهه للسعودية أو أيران، أو طالبان، ويخاف من الإشتراكي فقد قرن الإشتراكي بالشوعية، والجوع، وتأميم الأموال، ولا يحب تسلط الأشخاص مثل حميد الأحمر أو علي محسن الأحمر ولذلك فقد اتخذ قراره.

لا يهمه تسلط الرئيس علي عبدالله صالح، فهو كالأب، يسامحه الرب والشعب إن تسلط أو تجبر، ولا يهمه أن يعيش في دولة يجهز الرئيس فيها ولده لولاية عهده، فهو أيضاً إبن الرئيس الملهم، ولا يهمه أن 33 عاماً أصبحت تمثل استبداداً وتسلطاً لشخص وأسرة، وقبيلة، ومنطقة على مقدرات وحياة 23 مليون نسمة. يعتز فارس بمنجزات الرئيس ويعدها فيقول الطرق والمستشفيات، لا يهم فارس أن كل هذه المنجزات لم تأتي نتيجة لنمو اقتصادي بل كان أغلبها ديون وهبات ومنح. فارس يعتز بالمدارس التي انتشرت في اليمن، وينسى أن المدارس الحكومية أصبحت لا تعلم، ويفاخر بالمستشفيات الحكومية التي أصبحت لا تعالج.

فارس مغترب يرى اليمن من منظار المغترب، يرى المطار والشارع الأسفلتي، ويمر على الكادحين من البشر على جوانب الطرق، ويستغرب لماذا يجوعون، ولماذا لا يأكلون اللحوم والدجاج كل يوم. سيارته التي تنطلق في شوارع صنعاء الترابية الضيقة لا تخيفها المطبات، ولا الأطفال الذين يملأون الشوارع في مدينة مقدر لها أن تنعدم مياهها بعد سنوات قلال. فارس يتذكر اليمن، كبلد فيه الطرقات، وفيه القات الذي يقضي في تخزينه ثلث وقته أو أكثر عندما يكون في اليمن. صور الرئيس في كل مكان حفرت في قلبه حب الرئيس، والولاء لنظامه. يتحدث فارس عن الرئيس وعن نظام حكمه وكأنه من الشلة المقربة والمستفيدين من سلطانه. يشعر فارس بنوع من الهيبة وهو يدافع عن الرئيس ويتهجم على المعارضة وعلى المعارضين، مجرد دفاعه عن الرئيس يعطيه صفة حكومية رسمية، وكأنه يحمي الثورة ويحمي الوطن، بحسن نية، لا يدرك فارس أنه يحمي إمام، ويحمي أبناء الأمام، ويحمي ويدعم إمتلاكهم وتحكمهم بشعب رفض إمرة الأسرة وقبول الهوان.

لا يمانع فارس وهو اليمني الأمريكي أن يؤيد رئيس يقضي في الحكم 33 عاماً وهو يعيش في بلد الديموقراطية، وكأن شعب اليمن وأهله لا يستحقون مثل ذلك الحق. وكأنه يؤمن بأن نساء اليمن كلها عجزت عن أن تلد مثل علي أو أفضل. حب فارس للرئيس يجعل الواحد يعتقد أن صالح هو أفضل ما يستحقه اليمنيون، وأن اليمنيين لا يستحقوا أفضل من صالح أو أفضل من نظامه.

يتحدث فارس عن الاستقرار في اليمن، وكأن اليمن عاش أيام سلام وردية وهو البلد الذي لم يعرف الاستقرار إلا في مدينة صنعاء. يتناسي فارس، أو ربما لا يدري عن حروب اليمن الداخليه ابتداء من حروب الشطرين، ومروراً بحرب الجبهه، والنزاعات التي انتشرت في أغلب مناطق اليمن بين القبائل والأسر اليمنية ثم حرب 94 . وكأن الاستقرار في اليمن يعني استقرار صنعاء وحارة بيت فارس. يستغرب من يعرف أوضاع اليمن، عن أي استقرار يتحدث فارس، وعلم الجمهورية تارة يرتفع وتارة ينخفض في مارب وفي صعده. يتحدث فارس عن الاستقرارِ، ووضع معسكر حكومي في خولان كان أصعب من وضعه في أثيوبيا. لكن فارس المغترب يتحدث عن الاستقرار الذي كان يراه، وهو ينطلق بين شوارع صنعاء في أمان. ذلك الأمان الذي شعر به فارس ولم يشعر به أبناء عدن، أو لحج أو حضرموت. فارس أشترى أرضه وعمر بيته، ولا يعرف عن محتلي الأراضي والجبال والتلال الذين سلبوا أبناء المناطق في الجنوب والشمال حقوقهم وأراضيهم وعاثوا في الأرض فساداً. عندما يتحدث فارس عن الأمان، يتناسي كيف أنه يدخل سيارته حوش بيته، ويدفع لحارس حق حراستها، لا يحب فارس أن يعترف أن أبوه لا يجد الأمان في منزله في صنعاء، وأنه لا يأمن في سكنه حتى على دبة الغاز.

يذكر فارس أقرانه بالتطور ويتناسي دور المغتربين من أمثاله الذين بنوا اليمن، وعمروها من عرقهم، وتعبهم وبتضحياتهم بسنين من الفرقة والغربة حتى يأكل أبناءهم وزوجاتهم وبستطيعوا ويكون لهم الملبس والمسكن. يتحدث فارس عن الرخاء الذي لا تعرفه إلا مدينة صنعاء، ويتناسي المدن التي تنعدم فيها الموارد والفرص.

ثم يفاخر فارس بانجازات الرئيس العسكريه فهو القائد المؤتمن ، والعقيد، والفريق، والمشير، والدكتور في آن واحد وهو الذي حارب الحروب وانتصر ببقائه حتى وإن لم ينتصر بحرب، وكون جيشاً يتبع ولاؤه للرئيس وأبنائه أكثر من ولاؤه للوطن، لكن فارس لا يهمه كل ذلك. كل ما يهم أن يعرفه الآخرون هو أن فارس مع الرئيس ربما لأنه يحبه لله وفي الله، وربما لأنه يكره الأصلاح والأشتراكي والأحمر والأحمر الآخر والرئيس أفضل من في المجموعةّ.

يسمع فارس عن الشباب بأنهم معارضة، بأنهم مسيرون، بأنهم إصلاحيون، بأنهم اشتراكيون، وبأنهم ضد الرئيس ويطلبون رحيله الفوري، ويرفض فارس أن يصدق أن هؤلاء هم الثورة، هؤلاء هم الثوار الذين يصنعون يمن المستقبل، وبأن هؤلاء الشباب أقدر من أن يضحك عليهم، وبأنهم بمنهجية يعرفون ما يريدون، وهو يمن يعد أبناءه لعالم الغد الحديث، يمن لم يستطع علي عبدالله صالح أن يوفره، ويمن لا يمتك علي عبدالله صالح القدرة على تكوينه في هذا الزمن.

ربما كان الرئيس علي عبدالله صالح الرئيس المثالي ليمن الأمس، ولكن ليت فارس ومن مثل فارس يعلم بأنه لم يعد الرئيس المثالي ليمن اليوم، وبالتأكيد لن يكون الرئيس الذي له الحق في قيادة يمن الغد.

زر الذهاب إلى الأعلى