[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

من أحرار الشمال إلى أحرار الجنوب: صنعاء إن كنتم صادقين

كتب/ عادل الأحمدي

اسمعوا يا مجاميع الغفلة..
في هذا المقال منطق الرجال للرجال.. ليس فيه مجال للمراهقين والمعوقين وغيرهم ممن تعودوا على استماع المجاملة وارتياد الأفق الضيق..

ذلك أن الجنوب يحتاج في هذه الأيام إلى أصوات محبيه.. وزمجرات عاشقيه.. ووحده الحب والإخلاص والكلمة الصادقة كفيل بإخراج الجنوب وأهل الجنوب من مخالب اللصوص الذين يمتصون خيراته وصيحات الغوغاء. الذين يستثمرون مأساته ويرسخون ضعفه.. ولا غرو على أن بلادي كلها تئن.. شمالها والجنوب.. أشعر أن أفئدة الجبال في صنعاء تستمطر النجدة والخلاص بذات النظرة وذات الأنين الذي أسمعه من زفرات الجبال في الحبيلين.

لكن الجنوب له وجعه الخاص وله ملفه الكبير الذي لا ينكره إلا متواطئ أو مغفل أو مكابر..

اليوم لا أثرياء في الجنوب.. لقد سُرقت من الجنوب دائرة المتاحات.. ولوثت فيه منظومة القيم، وتحول مئات الآلاف من رجاله الأشداء والأكفاء حاملي المؤهلات والرتب إلى لاعبي "بطة"!، زاحمهم الأوغاد حتى على مقاعد فروع الكليات. بينما يمنح الرئيس علي عبدالله صالح مناصب كبيرة في الدولة وفي جهاز الأمن والدفاع لمراهقين من أنجاله وأصهاره ومن لف لفهم من دائرة الرضى وحملة المباخر.

نزل النهَّابة إلى عدن مستغلين براءة المدينة وطيبة أهلها، لينشروا قبحهم ورداءة حلمهم على هيئة سطو وهلع وموغادة وإقصاء غارسين أنماطاً غير معهودة من السلوك تُمجِّد اللص وتحتقر النزيه. وتم بإحكام سد جميع المنافذ الطرق المؤدية إلى تحقيق الذات.

لقد صادر الفكر الشمولي الحاكم حتى مسمى تلفزيون عدن ثاني تلفزيون في الشرق الأوسط ليتذبذب اسمه من القناة الثانية إلى 22 مايو إلى يمانية...

وما كان كل ذلك ليتحقق لولا تواطؤ الكثير من هؤلاء الذين جاءوا الآن ليركبوا موجة الرفض، ميممين وجهتهم صوب المحيط.

يا مجاميع الغفلة: لقد تم اغتيال أوجاع الجنوب.. مئات الآلاف من الموجوعين أحسوا أخيراً بالوجع، لكن لصوص الظرف السيئ استطاعوا توجيه الهدف الكبير بعقلية النعامة التي تفكر بأقدامها ولا تعرف غير الهروب.

لن ينجح هذا الحراك طالما كان ضيق الأفق محدود الرؤية بخيلاً في أحلامه شحيحاً في خيره الموعود.. وطالما ظل خيار الحراك هو الفرار إلى الوراء وليس التقدم إلى الأمام، فإن الناتج سيكون أسوأ مما هو الآن.

سأختصر عليكم وعلى نفسي الحكاية:

في عام 1967 غادر المصريون صنعاء، وحاصرتها جحافل التخلف الإمامي في نفس الوقت الذي طرد فيه المستعمر الإنجليزي وأجبر على الرحيل.. كان الأجدى يومها لفرسان الكفاح المسلح أن يتوجهوا صوب صنعاء ويفكوا حصارها ويحكموا اليمن كله..

لكن لا.. استولت عقلية القواقع وأعلنوا دولة في عدن وهم مشكورون لأنهم على الأقل حافظوا على اسم اليمن ووحدة جنوبه..

لقد كان قبلها الرئيس الراحل قحطان الشعبي رحمه الله منذ الشهور الأولى من قيام ثورة سبتمبر مستشاراً للرئيس السلال لشؤون الجنوب.

ومعلوم أنه تم في بداية العام 1963 اجتماع السلال والشعبي بألف من شخصيات الجنوب اليمني المحتل، وتم خلال ذلك اللقاء جدولة الدعم المقدم من المناطق التي تحررت من الإمامة للمناطق التي تناضل في سبيل التحرر من الاستعمار.

وفي العام الذي يليه 1964 جاء الزعيم جمال عبدالناصر إلى تعز.. وخرجت جماهير اليمن في الشمال والجنوب حاملة صور الزعيم عبدالناصر باعتباره زعيم كل العرب وصور السلال باعتباره زعيم كل اليمن. وقال عبارته التاريخية: "على بريطانيا أن تحمل عصاها وترحل".

أقول: ذهبت الفرصة التاريخية على فرسان الاستقلال وتكفلت الدبلوماسية بسرقة الإنجاز، ليتآمر المتقوقعون على بعضهم البعض ويموت الرئيس سجيناً في زنزانة مليئة بالعناكب والرطوبة.

ولما أن شعر هؤلاء بفوات الفرصة حاولوا تعويضها في الوقت الضائع بعد فك حصار صنعاء، أشعلوا حرباً تلو الأخرى.. وأوجدوا جبهة تلو جبهة.. داعين إلى الأممية وليس مجرد الوحدة الوطنية أو العربية.

وفي نظر القواقع يتخذ الناس صورة الملائكة أو الشياطين، وهذا بالضبط ما حدث بعد حرب 1994، حيث تكاسل حمران العيون عن شغل مواقعهم في ساحة ما بعد الصراع وألحقوا بأنفسهم الهزيمة عنوة وهم والله كانوا هم المنتصرين.

واليوم وبعد أن خرج الناس من شدة الغبن، أتى هؤلاء العجزة ليجعلوا فكر القواقع دستوراً يسير نضالهم على هداه التعيس.

أيها المحرومون من جسارة الفرسان، موقفكم ضعيف ومطلبكم ذليل وأوجاعكم لا غبار عليها.. أيها الضعفاء: فلنغيرها من صنعاء. وليكن يوم ذاك حراكاً مسلحاً إذا اقتضت الظروف. فلنغير الرئيس، فلنغير الدستور، فلنغير النظام، فلنغير العاصمة، فلنغير لون العملة وشكل النسر الجمهوري.. ولكن بجسارة الفرسان وشكيمة الأقوياء. وبما يحافظ على هذا الشعب المقهور منذ قرون..

أما التفكير بعقلية النعامة فلن يفضي إلا إلى ضياع الوقت على اليمنيين شمالاً وجنوباً، جراء الجبن ومحدودية الحلم.

أيها التاريخ: اعطني قائداً واحداًً ذكرته الأيام بخير وبفخر لأنه انتصر لأهله عن طريق اقتطاعهم عن أهلهم. اعطني واحداً فقط انتصر.

للمجد شروطه التي تختصر على أرباب الكفاح مسافات طوال وتلهمهم سديد التصرفات وواثق الخطوات.. تجلب لهم قلوب الخلق. وتقوي حجة اللسان ورباطة الجنان.

أما هؤلاء الذين يدعون الآن لجنوب عربي فقد أدمنوا الفرار من "طاهش الحوبان"، وتعودوا على الارتزاق من مصائب السهول والجبال، يستثمرون براءة الجنوب وشكيمة أهل الجنوب وجاهزية أبناء الجنوب ليقودو البلاد نحو الغروب.

أيها المتقلبون على خنجر الظلم: أوجاعكم أكبر من هؤلاء وأرواحكم تستحق نفيراً أسمى تنضوي في مجاله. وغاية أزهى تتعذب من أجلها.. أما التقوقع فلا يصلح إلا للكائنات اللزجة التي لا تتقن غير نقل البلهارسيا والتطفل على أمعاء البشر.

فارق كبير بين ألباب الفرسان وبين سلوك القطعان التي لا تحسن غير الانجرار وترديد الثغاء الذي يُعْلم الصياد بمكمن الفريسة، لا أكثر ولا أقل.

هنالك كلام مختلف يتوجب على الأرواح العظيمة أن تقوله في هذا الخضم المخزي، ويتوجب على النفوس الكريمة أن تستمع إلى وجاهة معناه غير عابئة بقساوة مبناه..

أيتها المخلوقات التي هزمت نفسها مرتين وخدعت أهلنا في الجنوب مرتين: تنحوا جانباً اتركوا نهش وحدة اليمن، فالتاريخ لا يمكن دخوله من الباب الخلفي الذي لا يفضي إلا إلى مزبلة التاريخ.. والفرسان الحقيقيون هم الذين لا يعرفون الكراهية ولا يجيدون غير المضي. فما أجرأ اللصوص والظلمة علينا حينما نتقهقر عن عظيم الغايات.

أحبابي الذين حرصت في هذه الليلة على أن أصرخ في وجوههم.. صحيح أننا كنا في دولتين، وأن بعضنا تمترس ضد بعض.. وجمع في نفسه مبررات عدة للتمترس ضد أخيه. هب أن أساليبنا اختلفت، هب أننا اختلفنا، هب أننا أصبحنا هويتين. أليس الأفضل منه أن نعود كما كنا هوية يمانيةواحدة. أو ليس الذين راحوا الآن يشهرون عوراتهم في احتجاجات الجنوب هم من فرطوا في إحلال الهوية اليمانية الأنقى والأعرق بعد 90 و94؟!.. إنهم يريدون الفرار من أن نحاسبهم وبقدرة قادر أصبحوا قادة متشاكسين لحراك يتيم.

أياً ما يكن حجم الوجع فإن اللؤم يفوت على صاحبه نبل القضية وثمار النصفة، ذلك أن معركتنا في الوقت الحاضر هي معركة شعب يئن من أقصاه إلى أقصاه.. يسير بلا بوصلة، ويهتف بلا روح ويناضل بلا هدف عظيم. معاً نستطيع بأن نكون، وعدا ذلك فإن الحماقة أعيت من يداويها.

معاً.. مجموعين توحدنا سلامة الطريقة ويشدهنا حنان المؤدى.. معاً على إيقاع نشيد مجيد يحلق بنا نحو مناكب السماء.. ولنترك الفرار للنعام والفناء للقواقع.

أه كم يؤلمني يقيني أن ثمة ما يستحق الثورة وأن ثورتنا اليوم –للأسف- يتزعمها لصوص المواقف وتسيرها شعارات العته.

أيتها العاهات التي تسمي نفسها قيادات، ما أسرع ما تتبدلون وما أسرع ما تكونون كالعهن المنفوش، يجمعكم طبل وتفرقكم عصا. وتجيدون الكلام المليح والغاية القاصرة. إنكم والنظام وجهان لعملة واحدة، لكنه رغم بشاعته أكثر جسارة منكم لإنه يريد اليمن كل اليمن.. وإن كانت أفعاله تدمر اليمن كل اليمن.

أيها المعتقلون في ضلوعكم.. رفرفوا.. حاولوا أن تتذوقوا متعة التحليق، ولكل الأحرار والصادقين، أقول: الوقت إلى صنعاء أنسب ما يكون، فلنزحف قلوباً قاهرة بالحب، عامرة بمقبول المثل ومحمود النتائج.

هذا الحراك الذي يتغنى بتمزيق الشعب حراك عاقر.. وليت شعري، ما الذي يمنع القلب عن أن يقصف هؤلاء الحثالة.. كلهم وعلي عبدالله صالح طناجر فارغة في زمن بلا فرسان.

والسواد المظلوم من الشعب يمتلك الدمعة والهتاف. واللصوص هنا وهناك يسرقون التعب ويصبحون على خير.

لا نامت أعين المغفلين.. ولا أفلحت القواقع والأيام دوال.

يا أهل الجنوب: صنعاء إن كنتم صادقين. وإلا فحراك بلا شعارات تسيء إلى أوجاع الناس وأحلامهم. ذلك أن المظالم يمكن أن ترد إلى أهلها والحقوق تسترجع، والظلمة يزنزنوا وتصادر مسروقاتهم، لكن كيف لهذا الشرخ الوطني أن يندمل. كم نحتاج من الوقت لكي ننزع من أفئدة الأجيال الترسبات السلبية لاحتقانات الحراك الذي ينجر وراء المحدودين الذين يتعامل معهم النظام بعقلية:
"غُبْرُ الوجوه إذا لم يُظْلَموا ظَلَموا"

وباختصار: الآلاف من المقهورين في ثلاث محافظات ملتهبة في جنوب اليمن اندلعوا منذ سنتين على الأقل، ضمن انتفاضة وجيهة الأسباب ضيقة الأفق.

يراهن هؤلاء على كراهية الخارج للنظام الذي استفرد بالسلطة والثروة منذ 15 عاماً ولديهم قيادات شتى يحركها صدق الوجع ويعرقلها ضيق الأفق، وأي تقدم أحرزه هذا الحراك فهو بسبب أخطاء غريمه، لا أكثر.. هناك حماس منقطع النظير واستعداد نادر للتضحية وتمنع واضح عن إغراءات المال والجاه، وتماد أرعن من قبل الصوص الذين كانوا السبب في هذا كله، مع كل ذلك فإن هذا الحراك سيفلح بالتأكيد في إحداث الضوضاء ولكن طالما ظلت طموحاته دون صنعاء. فإن من الصعب عليه أن يصبح شيئاً ذا بريق يلمع في ذاكرة السنوات. وقد يؤدي هذا الحراك إلى كوارث على الجميع طالما كان أنانياً غير مسيس وكانت السلطة الحاكمة على هذا القدر من الجفاء والغباء والجشع.

هذه دعوة صادقة من أحرار الشمال لأحرار الجنوب: هلموا صوب صنعاء. ولتحكموها أنتم من طرف البلاد إلى طرفها، لأن النظام الحاكم هش بفعل خوائه الذاتي وعدم قدرته على التجدد. وافتقاده القراءة السليمة والنية الصالحة. ولتملأوا أنتم الفراغ بعده وإلا فإن المشاريع البديلة لهذا النظام الموقوت هي مجاميع محنطة من بقايا الإمامة المتعفنة، ومخلفات الخرافة واللؤم. أو لوبيات "بريمر".

محروق مثلكم يا أهل الجنوب فلا تخسروا قلبي الكبير..

هذا نداء الحر للحر. وهذا منطق الرجال للرجال، والله غالب على أمره.

خاص ب"نشوان نيوز"

مواضيع متعلقة للكاتب

اليمن حتى عام 90.. خطوات «الوحدة» وجذور «التشطير»

الانفصال.. وهم في الجنوب وحقيقة في صعدة!!

إلى الفنان الجنرال عبود الخواجة.. كلمات لا ينقصها الحب

السلطة الحاكمة، شعارات الحراك الجنوبي، الحوثي، المشترك: مشاريع أنانية تدمر حاضر اليمن وتهدد مستقبله

إلى الفنان الجنرال عبود الخواجة.. كلمات لا ينقصها الحب

أهمية توضيح القضية الجنوبية

زر الذهاب إلى الأعلى