[esi views ttl="1"]

صعود "القضية الحضرمية" إلى الواجهة: خطاب بحاح و"عملية الإمارات" المرتقبة؟!

مابين خطاب بحاح التبشيري بعودة حضرموت إلى "حضارتها" بعد عقود من التهميش، وتداول أنباء عن توجه أولويات الإمارات للقيام بعملية لـ"تحرير" حضرموت من " القاعدة"؛ تصعد "القضية الحضرمية" إلى الواجهة.

يتحدث خالد بحاح رئيس الحكومة اليمنية النازحة في الرياض منذ إستيلاء جماعة الحوثي على الدولة واجتياحها للمحافظات عن عودة حضرموت وإستعادتها لدورها الحضاري، فما هي العودة التي يقصدها بحاح في منشوره الخطابي التبشيري الفائض بالعاطفة الانشائية؟ وإلى أين ستعود حضرموت؟ هل عودتها للسلطة الشرعية من قبضة تحالف الغزو والاجتياح الذي يضم الحوثي وصالح، وهو الذي لم يصل تمدده إلى المكلا؟! أم عودتها من الشمال للجنوب بعد "تطهير" معسكرات الجيش هناك من الشماليين؟! أم إستقلالها عن الشمال والجنوب كما تشير اليه ضمنياًً جملة بحاح التي تحدثت عن "عقود من التهميش"

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها نحتاج إلى قراءة هذا الخطاب الذي صدر عن شخصية تعتبر عموماً جديدة على المشهد السياسي، ولا زالت توجهاتها وقناعاتها السياسية التي تحركها غامضة وغير معروفة، فالرجل كان يقوم بوظيفة "فنية" في مرحلة توليه لوزارة النفط في عهد صالح، وكذلك في بداية المرحلة الانتقالية، ولم يعرف له توجهات سياسية محددة في هاتين الفترتين. والعلامة الوحيدة التي نعرفها حول شخصيته هي "شجاعته" في رفض الإملاءات والإذعان للظغوط، وقد ظهرت هذه بشكل واضح أثناء اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، وفشلهم في إجباره على الرضوخ لهيمنتهم، وثباته أثناء احتجازه في منزله بصنعاء ووضعه تحت الإقامة الجبرية من قبل مسلحيهم. وهو ملمح في شخصيته تؤكده "الإستقالتان" من الوزارة في عهد صالح وهادي من بعده.

غير أن هذا الملمح في شخصيته ليس كل شيء، فشخصيته وتوجهاته تبقى غامضة، أو على الأقل غير واضحه؛ ليس ذلك بسبب ما يشاع عن "تبعيته" غير المؤكدة لرجل الإعمال بقشان ورأس المال الحضرمي عموماً، وإنما لكون عودته لرئاسة الحكومة جاءت في مرحلة تغيرت فيها معطيات كثيرة، والبلد في حالة حرب اجتياح داخلية وتدخل عسكري خارجي تحت غطاء الشرعية وقرارات مجلس الأمن، واليمن في حالة من السيولة مفتوحة على كل الاحتمالات وليست محسومة بما يعلن من قبل الاطراف الفاعلة في الداخل والخارج من محددات وتوجهات. ومن هنا تسعى جهات كثيرة للتأثير في وجهة الأحداث ومآلاتها النهائية من خلال التأثير في الواقع وفي الفاعلين الأساسيين المشتبكين في الحرب الدائرة الآن.

نعود إلى بحاح لمحاولة قراءة شخصيته وتوجهاته الملقية بين سطور هذا الخطاب المنشور في صفحته والموجه إلى أبناء حضرموت تحديداً، حيث لم يتطرق لليمن ولا للشرعية ولا حتى للصراع والحرب الدائرة الآن في البلد كله.

أكتفى بحاح بحضرموت كإطار للخطاب، الخطاب الذي حلق فوق واقع الحرب والشرعية واليمن كساحة تضج بكل هذه الأحداث، بل وحلق حتى فوق واقع حضرموت الراهن وتحدث عن عودتها وتحررها ممن عبثوا بحضارتها وزعزعوا مكانتها منذ عقود "يعني منذ الاستقلال وتوحيد السلطنات من فبل الجبهة القومية"، سابحاً في السياق التاريخي الرومانسي الحالم لـ"القضية الحضرمية" كمتحد تاريخي قديم يخوض المؤمنون باستقلاليته جدالات واسعة في السنوات الماضية، وهي لم تتوقف أساساً وإنما تكثفت مع الأحداث المفصلية التي خلقت واقعاً جديداً في اليمن منذ الثورة الشعبية في 2011 وما تبعها من حوار ومخرجات وحروب.

هذا التجاوز لحضرموت الموجودة على الواقع الآن وما يتعلق بها من معطيات محددة ومشكلات وفق محددات الصراع الراهن المتمثل ب "شرعية" تمثل اليمن كله، وقوى اجتياح داخلي تطال شظايا حروبها كل اليمن، ومضافاً اليه تكثف مشكلة "الإرهاب" الذي تحضر تنظيماته في هذه المحافظة أكثر من أي محافظة أخرى؛ هذا التجاوز لهذه البانوراما الراهنة كلها، والقفز إلى الخطاب العاطفي التاريخي "للقضية الحضرمية" من قبل رئيس الحكومة في الجمهورية اليمنية ليس منشوراً عابراً، وليس مجرد "خطاب تكتيكي" كما يتوقع أن يبرره من سيقول أنه حاول فيه دغدغة مشاعر أبناء حضرموت لتهيئة الوضع لعودة الحكومة اليها أو لاكتساب زخم ما في مواجهة مرتقبة مع "القاعدة" هناك. ليس كذلك بل "خطاب استراتيجي مضمر" خرج إلى العلن في لحظة فارقة.

من الصعب قراءة منشور رئيس حكومة في اليوم التالي لتعرض مدينة تعز لقصف عشوائي لليوم الثالث على التوالي، وكأنه مفسبك يكتب مايخطر في باله، أو ناشط في العصبة الحضرمية، وليس مسؤولاً يعبر عن آراءه وتوجهاته في صفحته الرسمية كرئيس حكومة

لنطرح السؤال مرة أخرى: عودة حضرموت من إين، وإلى إين؟!
من الواضح أن حضرموت تعتبر الآن في صف الشرعية وتحت سلطتها. فميليشيات الحوثي صالح لم تصل اليها، وتوقفت في شبوة التي خسرتها مؤخراً وانسحبت منها إلى "بيحان" التي اتخذت منها موقعاً لتجمع قواتها التي على مايبدو أوكلت اليها مهمة حصار مأرب من جهة الجنوب.

وحضور القاعدة في حضرموت مبالغ فيه. صحيح أنه الأكبر مقارنة بالمحافظات الأخرى كلها غير أنه لا يرقى إلى حد التطلع للسيطرة على المحافظة وفرض سلطتها عليها وإدارتها.

كما أن المجاميع الإسلامية المتطرفة سواءاً عملت تحت عنوان "انصار الشريعة" أو "تنظيم الدولة الاسلامية / داعش" لن تحارب في هذه المرحلة تحت عنوانها مباشرةً وإنما ستحاول أن تستفيد من إزاحة الدولة من قبل الميليشيا الحوثية، ومن حالة الفراغ التي تعيشها اليمن، وكذلك تستفيد من المناخ الملائم الذي نتج عن اجتياح الحوثيين للمحافظات والحرب الداخلية والخارجية، لأن هذا الوضع يخلق أمامها مساحات تتحرك فيها.

وبالتالي فأن الوضع المناسب لقاعدة حضرموت لو ارادت ان تحارب في حضرموت وتفرض سيطرتها هو وجود حالة اجتياح للمحافظة من قبل الحوثيين وليس حضور الدولة عبر مؤسسات الجيش والأمن والإدارة المحلية القائمة الآن، أياً كان مستوى أدائها.

لقد جاءت التسريبات عن عملية تحرير لحضرموت من "القاعدة" لتقول أن الأولويات التي لدى الإمارات، والتحالف عموماً، وربما لدى خالد بحاح ومراكز النفوذ التجاري والمالي الحضرمية في الرياض - تختلف عن الأولويات المعلنة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخل عسكرياً تحت مبررات وعناوين مساندة السلطة الشرعية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

لقد تصاعدت المخاوف من سيناريوهات تقسيمية لليمن المثخن بحربين، داخلية وخارجية، وما يعزز هذه المخاوف ليس فقط خطاب خالد بحاح، وتوجه آلة الحرب الخليجية باتجاه حضرموت؛ بل أداء الرئاسة والحكومة اليمنية النازحة في الرياض.

إن تأخير العودة إلى عدن، والبقاء في موقف المتفرج على تعز ربما يجد تفسيره في عدم استعداد السلطة النازحة في الرياض والتحالف المساند لها في تحمل أعباء ومسؤوليات "الدولة" في المناطق والمحافظات التي تستعاد من من قبضة حلف الحوثي وصالح، وما يتطلبه ذلك من "حسم الوجهة النهائية" لليمن، وعدم إبقاء الوجهات كلها معلقة في الهواء في منطقة الاحتمال والإمكانية للتحقق، ومايستدعيه من إدارة هذه المناطق والمحافظات وتحمل مسؤليات تفعيل هياكل الدولة فيها وتلبية احتياجات السكان الأمنية والمعيشية والتموينية.

مواجهة "القاعدة" في حضرموت لا تحتاج إلى معركة "تحرير" وإنما تحتاج إلى حضور الحكومة والرئاسة في حضرموت أو عدن وتفعيل هياكل الدولة ومؤسستيها العسكرية والأمنية والإدارية .

أما الحديث عن "تحرير" فيذهب نحو أكثر من احتمال، لعل أسوءها هو تطهير الجيش والإدارة هناك من "الشماليين"، بعد أن تم تجاوز مهمة مقاومة الحوثيين في عدن إلى "إجراءات" تثير القلق نحو كل ما هو شمالي هناك.

هذا الاسترسال في "حضرموت" والأبعاد التي يمكن أن تأخذها تصريحات بحاح وعملية الإمارات المرتقبة ؛ لا يندرج في إطار السجالات "القيمية" حول الوحدة والانفصال، ومؤيدو هذا أو ذاك، وإنما يصدر هذا التناول من منظور إعادة تحديد اتجاهات المواجهة الدائرة الآن، وتقييمها إستناداً لسياقها الطبيعي الواقعي المعلن وكونها تخاض تحت عنوان "شرعية" دولة الجمهورية اليمنية وحكومتها وشعبها، "شرعية" تم إزاحتها من الدولة والعاصمة، وليس ب"شرعية أرض الميعاد الحضرمية" التي صدح بها بحاح في منشور كشف مكنون تفكيره كله.

وأي انحراف عن هذا المسار فإنه لا يفقد هذا الطرف النازح في الرياض "شرعيته" فقط، بل ويرسم علامة استفهام كبيرة حول أداء هذه "الشرعية" وشخوصها وطواقمها في المسار السابق لاجتياح العاصمة، ويؤكد كل الاستنتاجات التي تضع هؤلاء في دائرة الاتهام بالتواطؤ والخيانة للمسؤولية، والدفع بالبلد كله إلى جحيم تنفتح فيه كل الاحتمالات السيئة التي تهدد وجوده ودولته وكيانه ووحدته وأمنه واستقراره.

زر الذهاب إلى الأعلى