[esi views ttl="1"]

اختار الحوثيون خوض "مباراة صفرية" فانهارت الدولة و"تملشن" اليمن!

اختار الحوثيون خوض المباراة الصفرية في يناير الماضي عندما أرادوا فرض "شراكة"_ بالإخضاع لا بالانتخاب ولا بالاستحقاق القانوني_ على الرئيس الانتقالي هادي وحكومة بحاح. ولما لم يستجب هادي (وهي المرة الأولى التي لم يستجب فيها هادي لـ"مشئيتهم" بخاصة وأنهم أرادوا فرض نائبا منهم عليه ليرثه بالحياء أو بالموت!)، حبسوه في بيته وأطبقوا بميليشياتهم على البقية الباقية من "المربعات الأمنية" التي تركوها للرئيس بعد اجتياح العاصمة في 21 سبتمبر.

بعد اسبوعين من احتلال دار الرئاسة والقصر الجمهوري و"مسكن" الرئيس التوافقي، أصدر الحوثيون إعلانا دستوريا يضع السلطات جميعا في قبضة "لجنة ثورية عليا"، ثم جلبوا الأحزاب إلى فندق موفنبيك لاستئناف "حوار" جديد بمباركة المبعوث الدولي جمال بنعمر (الذي غادر منصبه لاحقا بالإفالة).

لاحقا تمكن الرئيس هادي من مغادرة بيته في عملية استخبارية رفيعة، ووصل إلى مدينة عدن التي صارت "عاصمة مؤقتة" إلى حين تحرير "العاصمة المحتلة" من الاحتلال الحوثي!

أخفق هادي في تأمين مدينة عدن. وقد أظهرت التطورات المتسارعة أن فخامة الأخ "رئيس الجمهورية" كان طيلة الفترة الانتقالية (تنتهي في فبراير 2014) مضافا عليها فترة سنة ممنوحة من فندق الـ5 نجوم وال560 "كوكب" و"نيزك" في العاصمة (موفنبيك)، نائما في "العسل"؛ نعيم الرئاسة وسلطتها غير المقيدة. إذ أن الفوضى في العاصمة المؤقتة لم تلبث ان سادت جراء تمرد الوحدات الأمنية والعسكرية على السلطة التوافقية وانحيازها السافر إلى "سلطة" التحالف الصالحي الحوثي في صنعاء.

وقد اضطر "الرئيس" إلى مغادرة "عاصمته" الثانية عبر عُمان، ليستقر في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية.

في نهاية مارس بدأت عمليات "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية لدعم الشرعية (هادي) وإعادتها إلى العاصمة الأولى (صنعاء) ومنع الميليشات التابعة لصالح والحوثي من اجتياح المزيد من المحافظات. وبعد أيام استطاعت الديبلوماسية الخليجية من استصدار قرار من مجلس الامن يؤكد على شرعية الرئيس التوافقي ويلزم الحوثيين وحلفاءهم باحترام مرجعيات العملية السياسية الانتقالية في اليمن، ويدرج اسم قائد جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي في قائمة معرقلي العملية السياسية.

القرار الدولي منح السعودية ودول الخليج (والتحالف العربي) الحق في الرد على سلوك ميليشيات الحوثي التي تهدد أمنها.

هكذا دخلت السعودية، بقرار دولي، فاعلا عسكريا في اليمن كنتيجة مترتبة على شن الحوثيين وصالح الحرب على "الشرعية" في اليمن.

بعد 4 أشهر من الحرب في (وعلى) اليمن، لم يتمكن أي طرف من تحقيق اهدافه.
الحوثيون أصدروا إعلانا دستوريا منفردا، سقط فور صدوره ذلك أن السطة الثورية التي شكلوها (سلطة الأمر الواقع) لم تحظ بأي اعتراف من أي دولة في العالم (باشتثناء إيران التي تعاملت معها بحكم العلاقة الخاصة).

والتحالف العربي بقيادة الرياض فشل في تحقيق اهدافه المعلنة باستثناء عودة خجولة للسطة الشرعية إلى "العاصمة المؤقتة".

وفي الأثناء قُتل الآلاف من اليمنيين (وعشرات السعوديين وآحاد الاماراتيين) ونزح مئات الآلاف من بيوتهم ومدنهم وقراهم (من صعدة المنسية لاعتبارات دعائية تتعلق بالتحالف والحوثيين إلى المكلا التي استولى عليها الفرع المحلي لتنظيم القاعدة).

لا يظهر المتحاربون أي قدر من التشكك في أهداف مبارأتهم الصفرية. وقد تابع الحوثيون "الحفر" ملوحين بخيارات استراتيجية يقولون إنها عسكرية ووطنية من شاكلة إيذاء السعودية داخل حدودها وتشكيل هيئات حكومية دائمة (في استكمال مهام الاعلان الدستوري الساقط). وعلى الضفة الأخرى لا يخفي مسؤولون يمنيون (شرعيون) عزمهم على تحرير اليمن كاملا من قبضة "العصابات الميليشيوية).

وبالأمس أرسل الحوثيون ما يؤكد أنهم "خارج الواقع" بقرار "تعويم" اسعار المشتقات النفطية وإخضاعها للعرض والطلب في بلد يسقط في "حضيضهم" الثوري، يدنو نحو 90% من سكانه من حافة الجوع.

قبل نحو عام اعلن الرئيس هادي جرعة سعرية جديدة كانت ذريعة الحوثيين لاقتحام العاصمة في 21 سبتمبر، اليوم الذي صار "يوم النصر المؤزر" و"نهاية التاريخ" [هل تتذكرون يوم 7 يوليو 1994؟].

يقدم الحوثيون أنفسهم كجماعة انقلابية لا صلة لها بالثورات. وهم يسلكون سلوكا انتهازيا في كل ما يخص "السلطة" إلى حد تعريض اليمنيين جميعا لخطر الموت بالقصف والاقتتال أو بالجوع. وخلال الأشهر الـ4 الماضية، وبسبب اصرارها على اجتياح المناطق اليمنية انطلاقا من العاصمة، وضعت الجماعة نفسها في مواجهة "الجماعة اليمنية" غير مكترثة لعواقب ما تفعله على النسيج الوطتي اليمني.

وفي المقابل تخوض دول التحالف العربي (بقيادة السعودية) حربها النظيفة على اليمن والتي يمقتضاها يٌقتل الآلاف من اليمنيين في عدن ولحج ومأرب وتعز وشبوة وأبين وصعدة مع تقليل الخسائر البشرية من جيوش هذه الدول (الداعمة للشرعية!) إلى ما دون الحد الأدنى. هذه الاستراتيجية أدت إلى تدمير البنية التحتية اليمنية والحاق ضررا بالغا بمنشئات تاريخية وثقافية في ذمار (التي تم دك متحفها) ومأرب حيث أقدم المعابد السبئية، وصنعاء القديمة التي تعرضت بعض مبانيها للانهيار فضلا على آثار القصف العنيف على جبل نقم على المباني المعمرة في هذه المدينة الآسرة التي تربض عند قدميه! وفي عدن (الجريحة) احرقت نيران الحوثيين وصالح العديد من العمارات العتيقة في كريتر والتواهي والمعلا، حيث لكل عمارة من هذه العمارات تاريخ لصيق بالمدينة الجزيرية الألصق بالعصر وقيمه. وأما في تعز حيث القتال المستعر جراء تشبث الحوثيين وصالح بالمدينة باعتبارها "قدس الأقداس"، فقد رأى سلاح الجو السعودي في تمركز الحوثيين على الحواف المطلة على المدينة من قلعة "القاهرة" ذريعة مثلى لضرب القلعة من الجو. وقد أدى القصف إلى تحويل الجزء العتيق من القلعة إلى أنقاض.

اليمنيون لا يحصون خسائرهم من هذه الحرب. فالحوثيون على سبيل المثال لا يريدون الظهور في مظهر الطرف الذي تعرض للإذلال. وبينما تتردد اصوات نشيدهم الحربي (ما نبالي) من السيارات المتنمرة على السكان في العاصمة والمدن التي يسيطرون عليها، يتكتمون على حجم الخسائر البشرية في صفوفهم، ويتجنبون كليا الظهور في هيئة "الضحية" حتى لو كان الثمن إخفاء حجم الدمار في مدينة "صعدة" العريقة. ومن اللافت ان سياسيين يمنيين ينقلون عن قيادات الجماعة عبارات متبجحة يفاخرون فيها بأن تدمير صعدة لم يترتب عليه أية خسائر بشرية في اوساط مجاهديهم.

***

الشهر الخامس من حرب "الجماعات الجاهلية" في اليمن والعالم العربي في اليمن، بدأ للتو.

الحوثيون لديهم خيارات استراتيجية الآن، بينها أنهم عازمون على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة في العاصمة. ما يعني انهم غير مبالين حقا بالعواقب كما تقول زواملهم الحربية، وأن مغامرتهم تسير، راهنا، بالدفع الذاتي، وبقوانين الحرب وطفراتها.

السعوديون أيضا عالقون في اليمن، فالمهابة السعودية لم تتنزل من الاسبوع الأول كما افترضوا. وحلفاؤهم المحليون يستنقعون في أزماتهم المزمنة وفي عصبويات جهوية، ولم يظهروا أية إشارات على أن لديهم حيثية على "الأرض المحرمة" (الأرض التي تقع في الشمال اليمني وكانت محرمة إلى منتصف القرن الـ20 على الأجانب، رحالة ومستشرقين ومغامرين. وهم بعد اجتماعهم في الرياض بمباركة خليجية وعربية و"دولية"، فشلوا في كسب تأييد شعبي حقيقي أو استنهاض اليمنيين الذين يستفظعون العيش في كنف "ثورة" الحوثيين.

خيارات طرفي الحرب اليمنية_ الاقليمية تنفتح على الزمن مع دخول شهرها الخامس. لكن الزمن ليس محايدا في هذه الحرب!

بوسع أي متابع التقاط ما طرأ من متغيرات نوعية خلال نصف العام الماضي.
_ في يناير كانت هناك ميليشيا واحدة تتحكم بعدة مدن يمنية بينها العاصمة صنعاء. والآن فإن ميليشيات جهوية وعقائدية أخرى تتقدم في مدن آخرى، باسم "المقاومة" وباسم رد عدوان "الرافضة"!

_ في يناير كانت الواجهة مكتظة بالحزبيين والسياسيين، وهي الآن محشوة بالمحاربين.

_ في يناير كان هناك "بطل" ميليشيوي واحد يخطب في جمهوره. والآن صار لدى اليمنيين في مناطق يمنية أخرى أبطالها المقاومون.

_ في يناير كان هناك عاصمة واحدة لليمنيين، والآن صار لديهم 3 عواصم.

_ في يناير كان لدى اليمنيين القدرة على الوصول إلى وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، والآن صار هناك مصدران فقط هما الاعلام السعودي والاعلام الإيراني، علما بأن اغلب اليمنيين محرومون من مصادر الطاقة والكهربا، ما يعني في الغالب الأعم، افتقارهم لوسائل الاتصال المختلفة.

_ في يناير كان بوسع اليمني ان يتنقل من مدينة إلى أخرى. والآن فإن ملايين اليمنيين محبوسون في "معازل" داخل المدن وعلى امتداد الخارطة اليمنية.

_ في يناير لم يكن متصورا أن يقتل يمني يمنيا آخر "على الهوية" لكن الأشهر الـ4 الدامية، أظهرت أن المجتمع اليمني (المتجانس والمتماسك قيميا) ليس محصنا من الجائحات الطائفية والعقائدية التي تعصف بالمشرق العربي. وقد ظهرت مؤشرات أولية على وقوع جرائم كراهية في العديد من الحواضر اليمنية، وهناك خشية من ان تتنامى هذه الظاهرة وتمتد إلى مناطق جديدة كالعاصمة صنعاء.

***
الحروب لا تندلع فجأة.
هناك دائما مقدمات ومحفزات ومخططات ومؤامرات.
والحق أن نذر هذه الحرب ظهرت باكرا.
ففي خريف 2012 اطلق ناشطون وكتاب تحذيرات من أن مسار العملية السياسية الذي اختارته السلطة التوافقية، وباركته الدول الراعية، سيؤول حتما إلى حرب.
وقد اندلعت الحرب في صعدة أولا.
ثم في عمران، التي بارك الرئيس هادي سقوطها في قبضة الحوثيين لأنه توهم انه يتخلص بذلك من بعض حلفائه الثقلاء.
ثم في العاصمة.
ثم في رداع والبيضاء ومأرب.
وعندما انفتحت شهية الحوثيين على الآخر، وأرادوا فرض نائب رئيس من جماعتهم، قرر الرئيس هادي الاستقالة.
وها هي الحرب تجرف السياسة والبيروقراطية والنسيج الاجتماعي في اليمن.
وتتكامل حماقات الحوثيين في العاصمة والمحافظات مع التكتيكات الخرقاء لـ"الشرعية" و"داعمي الشرعية"، راسمة احداثيات لمرحلة أخطر من الحرب الداخلية، هي الحرب الأهلية (الدينية_ الجهوية) في بلد عربي آخر في المشرق العربي.

***

الحرب في اليمن مستمرة.
الحوثيون في "مغامرة" قد تودي بوجودهم.
وخصومهم يتخبطون في عدن والرياض.
الحوثيون استحلوا انتزاع المكاسب السياسية بالقوة.
استحوذوا بالقوة العارية على "عاصمة" اليمنيين، وبدعاوى "الثورة" على "دولة" اليمنيين التي صارت "ميليشيا" تقرر "تعويم" كل شيء في اليمن.
"ملشنوا" الدولة، ف"تملشن" المجتمع كله.
صار للحوثيون نظائر في محتلف مناطق اليمن.
وبالنظر إلى مسار الحرب الدائرة، فإن ما من مانع من ان تبتلع ميليشيا صاعدة باسم المقاومة أو باسم صد "الروافض" ميليشيات الأمر الواقع في اليمن.
المجتمع اليمني المتعافي من داء "الحروب الطائفية" هو استثناء.
لكن حروب الإخضاع إذ تندلع تحت رايات "الله" والتي يكون وقودها "رجال الله" من الشباب المجيشين من قبل الحوثيين، فإن لا شيء يحول دون سقوط "اليمن" "حرب أهلية_ طائفية" مستدامة.

***

هناك صوت خجول سُمع الأسبوع الماضي في العاصمة صنعاء، يقول ما مفاده أن حروب الإخضاع والاحتلال الداخلية ولى زمنها. وأن العودة إلى الحوار هو المدخل الأوحد إلى استعادة "الدولة" واستنقاذ المجتمع اليمني من خطر "الميليشيات" في العاصمة والمحافظات.

أطلق الحزب الاشتراكي اليمني مبادرة جديدة معززة بخطوات مقترحة. وهي مبادرة يمكن البناء عليها لبلورة رؤية مشتركة لكل القوى السياسية المناوئة للحرب، تكون مرتكزا للضغط من أجل إحلال السلام، ومن أجل استنهاض اليمنيين ضدا على "الميليشيات" بدءا من صنعاء. وفي هذا فليتنافس المتنافسون!

زر الذهاب إلى الأعلى